تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الطرق المتبعة عندهم في الحفظ،طريفة الجهات، وهي أن يكرر الطالب الدرس مائة مرة إلى كل جهة من الجهات الأربع، وهي طريقة المشايخ الذين بَرَّزُوا في حفظ المتون واستظهار شروحها، وما حفظ بهذه الطريقة لايند عن الذهن منه شيء،ومن فروع هذه الطريقة مايسمى بطريقة التجريد،وهي أن يجرد الطالب من نفسه شخصا يكرر معه،ويسميها بعضهم بطريقة (كَالَّكْ يَبُويَ) لكثرة تكرار هذه الكلمة أثناء التكرار.

سابعا: الانقطاع الكلي للحفظ: ولو أدى ذلك إلى البعد عن الأهل والتغرب عن الوطن،وهذا المسلك من أهم الأساليب التي يقوم عليها منهج الحفظ في المحظرة،ولم يزل الشيوخ يحثون طلابهم على الأخذ بوصية الشيخ حماد بن الأمين المجلسي بخصوص هذه المسألة حيث يقول:

له تغرّب و تواضع و اتَّبِعْ ... و جُعْ و هُن و اعص هواك و اتّرِعْ

حتى ترى حالك حال المنشد ... لو أن سلمى أبصرت تَخَدُدِي

ورقةً في عظم ساقي ويدي ... وبعدَ أهلي وجفاء َعُوَّدِي

عَضَّتْ من الوجدِ بِأطرافِ اليَدِي

وكان من طلاب المحاظر من يضرب به المثل في الانقطاع للعلم والتفرغ له، فقد مكث محمدوبن حبل سبع سنين لدراسة اللغة لم يزر فيها أهله مع قربهم منه، وكان أحمد بن كداه الكمليلي مقيما بإحدى المحاظر لدرسة ألفية ابن مالك، فنفد زاده،فلم يحمله ذلك على مغادرة المحظرة، وظل يكابد الغربة وضيق ذات اليد إلى أن أكمل الألفية فكتب إلى أهله هذه الأبيات:

فمن مبلغ أهلي باني هاهنا ... أقاسي أمورا لست فيها بِمُنْجَدِي

يساورني جُنْدَا أبي وابنَ مالكٍ ... ومن ساور الجندين لابد يَجْهَدِي

أرد جُنْدَ الابن إن جاء صائلا ... ومالي على جند الجد إن جاء من يدي

والمراد بأبي مالك: الجوع، إذ هو علم عليه، والمراد بابن مالك الألفية.

وطلب الشيخ سيد عبد الله ابن الحاج إبراهيم العلوي العلم أربعين سنة، طاف خلالها محاظر شنقيط وحواضر المغرب، وقد أشار إلى بعض ثمار ذلك السعي المحمود في آخر مراقي السعود فقال:

أنهيت ما جَمَّعَه اجتهادي ... وضربي الأغوار مع الانجاد

مما أفادنيه درسُ البرره ... مما انطوت عليه كُتْبُ لمهره

ومن نوادر هذا الباب أن بعضهم أقام سنين عديدة في إحدى المحاظر لدراسة العلم، ولم يزر أهله خلال أهله خلال تلك الفترة، وكانت اذا جاءت رسالة من أهله احتفظ بها في وعاء خاص، فلما انتهت مدة دراسته، جلس يقرأ تلك الرسائل،فاذا فيها من الأخبار مايكدر صفو الذهن ويشوش عقل الأريب، فقال لو علمت بهذه الأخبار لما استطعت أن أحَصِّلَ ما حصلت من العلم.

ثامنا: اقتصار الطالب على فن واحد حتي يكمله: لأن ذلك أدعى الى استجماع الذهن، ومما يؤثر عنهم في ذلك:

وفي ترادف الفنون المنع جا ... إن توأمان استبقا، لن يخرجا

ومن فوائد هذه الطريقة إتقان الحفظ، واستيعاب المسائل المتعلقة بذلك العلم استيعابا تاما، وقد قيل (من أتقن فنا أداه إلى سائر الفنون) ولو قارنت بين هذه الطريقة وبين الطرق المتبعة في الدراسات الحديثة التي تقوم على الدراسة المختلطة،لوجدت الفرق كبيرا والبون شاسعا، وأعرف بعض حملة الشهادات العليا ممن درسوا العلم وفق المناهج الحديثة إذا تلكم أحدهم في مسالة من المسائل التي تتعلق بتخصصه، قدم وأخر ونقص وزاد وأتي بمنكر من اللحن ومهجور من القول، مع أنه ربما درَّس ذلك الفن سنين كثيرة.

تاسعا: التدرج في وسائل الأخذ: بحيث يبدأ الطالب بكتابة النص، ثم يصححه ثم يحفظه، ثم يدرسه على الشيخ، ثم يُدَّرسه لغيره حين يتأهل للتدريس، ولذلك جرت العادة أن من لم يُدَرِّس العلم يذهب علمه، وقد يراد بهذه الرتبة تدريسه لغيره على وجه التكرار، وروي (تدوين) بدل (تدريس)،لأن الكتابة قيد العلم، ولأن من أقسام الحفظ حفظ الكتاب، ومما يؤثر عندهم في هذا المعنى:

لا بد للزاويِّ من كَنَّاشِ ... يكتب فيه العلم،وهو ماشِ

وهذا الترتيب الذي ذكرناه هو مذهب الشيخ ابن متال، وإليه أشار بقوله:

كتب إجازة وحفظ الرسم ... قراءة تدريس، أخذ العلم

ومن يقدم رتبة عن المحل ... من ذي المراتب المرام لم ينل

وقدم بعضهم القراءة على الحفظ، والأول هو المعتمد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير