تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل قد يجعله هذا الورع الكاذب يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة البعد عن الشهرة.

قال الحسن البصري لمطِّرف بن عبد الله رحمهما الله: عظ أصحابك، فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول؟!، ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه عن منكر.

ولله در مالك عندما عابه العمري الزاهد باشتغاله بنشر العلم، واجتماعه بالناس وحثه على العزلة، لم يستجب له. فرد عليه مالك: (إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر).

وقال الإمام أبو محمد عبد الرحمن أبي حاتم الرازي في كتابه في فضائل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك رأيت عليه نعلا لا تشبه نعل القراء له رأس كبير معقف وشراكة مسبل كأنه اشترى له من السوق ورأيت عليه إزارا وجبه بر مخططة من أثمار جوز قال عبد الرحمن أراد بهذا والله أعلم ترك التزي بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به.

قال عليّ بن الفضيل بن عياض رحمه الله: يا أبتِ، ما أحلى كلامَ أصحابِ محمد! قال: "يا بنيّ، أو َتَدري لِم حَلاَ؟ " قال: لا يا أبت، قال: "لأنّهم أرادوا به اللهَ تبارك وتعالى".

قال أبو نواس:

وإذا نزعت عن الغواية فليكن * * * لله ذاك النزع لا للناس

وقال لقمان لابنه: اتق الله ولا تري الناس أنك تخشاه ليكرموك. وكان الناس يراؤون بما يفعلون فصاروا يراؤون بما لا يفعلون. وقيل: ما الدخان بأدل على النار من ظاهر أمر الرجل على باطنه.

ويقال: إن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاة فقال عمر: ذلك للتصنع! فقال له العلاء: أنا آتيك بخبره. فجاءه وهو يصلي فقال له: ما لي عندك أن بعثت أمير المؤمنين على توليتك العراق؟ قال: عمالتي سنة، وكان مبلغه عشرين ألف درهم فقال: اكتب به خطك، فكتب إليه فجاء العلاء إلى عمر فأخبره فقال: أراد أن يغرنا بالله فكدنا أن تغتر!.

قال أحدهم:

إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا * * * ولكن حسن القول خالفه الفعل

وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها * * * أفاويق حتى ما يدر لها رسل

وصلى رجل بحضرة الشعبي فأطال، فقال الشعبي: ما أحسن صلاته! فلما سلم الرجل قال: وأنا مع هذا صائم! وقال ذو اليمينين لأبي بكر المروزي: مذ كم صرت إلى العراق؟ قال: مذ عشرين سنة وأنا أصوم مذ ثلاثين سنة. الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء 1/ 499.

وهذا النوع من الورع الكاذب هو نوع من التدين المغشوش الذي فيه دخن , عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ , فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ , قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ. قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي , وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ. أخرجه البُخَارِي 4/ 242 (3606) و"مسلم" 6/ 20 (4812) و"ابن ماجة" 3979.

فديننا دين عزة وكرامة وإخلاص وورع يقصد بهما وجه الله تعالى وليس التظاهر أمام الناس وإدعاء المرء بما ليس فيه , فراقب نيتك دائما وصححها واجعل أعمالك خالصة لله رب العالمين.

رزقنا الله وإياكم الإخلاص في السر والعلانية وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير