[أبو حاتم الرازي، ورحلته الممتعة في طلب الحديث الشريف]
ـ[أبو جمعة]ــــــــ[22 - 08 - 10, 06:31 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو حاتم الرازي
ورحلته الممتعة في طلب الحديث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى الذين جاؤوا من بعدهم محسنين.
(حافظ المشرق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي، كان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم ... وكان ثقةً جاريًا في مضمار البخاري وأبي زُرعة الرازي ... وأثنى عليه خلق من المحدثين ... ) (1).
يقول أبو حاتم الرازي فيما يرويه عنه ابنه عبد الرحمن:
" أولَ ما خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشَيْت على قدميَّ زيادةً على ألف فَرسخ _ يعني خمسة آلاف كيلو متر على وجه التقريب _ لم أزل أُحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركتُه _ أي صار يمشي دون أن يحسُب كم مشى _.
ثم ذكر البلاد التي رحل إليها على قدميه، وطلب العلم فيها في تلك المدة، فقال:
" ... سرت من الكوفة إلى بغداد ما لا أحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مراتٍ كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة " سَلا " _ وهي على المحيط الأطلسي من المغرب _ إلى مصر ماشيًا، ومن مصر إلى الرَّمْلة _ من مدن فلسطينَ المحتلة _ ماشيًا، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طَبَريَّة _ وهي مدن فلسطينية _، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص _ في سورية _ ومن حمص إلى أنطاكِيَة _ وهي الآن في تركية _ ومن أنطاكية إلى "طَرَسُوس" _ مدينة في جنوب تركية _.
ثم رجعت من "طَرَسوس" إلى حمص، وكان بقي عليَّ شيء من حديث أبي اليَمَان _ الحكمِ بن نافع _ فسمعتُه، ثم خرجت من حمصَ إلى بَيْسان _ من فلسطين _، ومن بَيْسان إلى الرَّقَّة _ في شمال شرق سورية _، ومن الرقة ركبت _ نهر _ الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسِط _ وهي مدينة بين البصرة والكوفة _ إلى النيل _ في مصر _، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيًا، هذا في سفري الأول، وأنا بن عشرين سنة، أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة /213هـ/ ثلاث عشرة ومئتين للهجرة في شهر رمضان، ورجعت سنة /221هـ/ إحدى وعشرين ومئتين ...
وخرجت المرة الثانية سنة /242هـ/ اثنتين وأربعين _ ومئتين _ ورجعت سنة /245هـ/ خمسٍ وأربعين _ ومئتين _ أقمت ثلاث سنين، وكانت سني في هذه الرحلة سبعًا وأربعين سنةً ".
قال عبد الرحمن بن أبي حاتَم الرازي: " سمعت أبي يقول: بَقِيتُ بالبصرة في سنةِ أربعَ عشْرةَ ومئتين ثمانية أشهر، _ وهذا في رحلته الأولى، قال: _ وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعتْ نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئًا بعد شيءٍ! حتى بَقِيت بلا نفقة! ومضيْت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة _ يعني المشايخ _، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتٍ خالٍ _ أي: من الطعام _، فجعلت أشرب الماء من الجوع!
ثم أصبحت من الغد، وغَدَا عليَّ رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني وانصرفت جائعًا، فلما كان الغد غدا عليَّ فقال: مُرَّ بنا إلى المشايخ، فقلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتُمُك أمري، قد مضى يومان ما طَعِمت فيهما شيئًا. فقال لي: قد بقى معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكِراء _ أي: في استئجار المراكب _. فخرجنا من البصرة، وقبَضتُ منه النصف دينار.
ثم قال عبد الرحمن بن أبي حاتَم: سمعت أبى يقول: لما خرجنا من المدينة _ يريد مدينةَ النبي صلى الله عليه وسلم _ من عند داودَ _بنِ عبد الله_ الجعفري _وهو أحد شيوخه_ صرنا إلى (الجار) (2) _ مدينة على البحر الأحمر _، وركبنا البحر، وكنا ثلاثة أنفس: أنا ... وشيخ مَرْوَرُوذِيُّ _ نسبةً إلى مدينة " مَرْوُ الرُّوذ " في خراسان، وآخرُ نيسابوري.
ولما كنا في البحر احتلمتُ، فأصبحت وأخبرت أصحابي بذلك، فقالوا لي: اغمِس نفسك في البحر. قلت: إني لا أحسن أن أسبح. فقالوا: إنا نشُد فيك حبلاً، ونَدْلُوك في الماء. فشدوا فيَّ حبلاً، وأرسلوني في الماء، وأنا في الماء أريد إسباغ الوضوء، فلما توضأت قلت لهم: أرسلوني قليلاً. فأرسلوني، فغمست نفسي في الماء فقلت: ارفعوني. فرفعوني.
¥