تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تزببت وأنت حصرم!!]

ـ[قيس بن سعد]ــــــــ[26 - 08 - 10, 03:22 م]ـ

[تزببت وأنت حصرم!!]

الحمد لله الذي بدَّد ظلماتِ الجهل ببَعْثَة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم، وأَمَرَهُ في مُحْكَمِ التَّنْزِيل بقوله:

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]

والقائل: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43]

والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل:

«إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُرفعَ العلمُ، ويَثبُتَ الجهلُ، ويُشربَ الخمرُ، ويظهرَ الزِّنَا» [متفق عليه]

والقائل: «إنَّ الله لا يَقْبِضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ من العباد، ولكن يَقْبِضُ العلم بقَبْضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتَّخذ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالاً، فسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْر عِلمٍ، فضَلُّوا وأَضَلُّوا» [متفق عليه]

وقد تعلَّم الصحابة الكرام - رضيَ الله عنهم - من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمَّ علَّموا التَّابعينَ، وعلَّم التَّابعون أتباعَ التَّابعين، وحمل هذا العلمَ من كلِّ خَلفٍ عُدُولُه، فنَفَوْا عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المُبطلِين، وتأويل الجاهلين

وما بلغوا ذلك إلا بنَفْيِ الاعتماد، والسَّيْر في البلاد، وصبرٍ كصبر الجماد، وبُكورٍ كبُكُور الغراب

كما وَرَدَ عن الشَّعْبِيِّ - رحمه الله تعالى - وكابدوا المشاقَّ الكِبار، وصارعوا الأهوال العظام، ولسانُ حالهم:

دَبَبْتَ لِلْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا ... جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَه الأُزُرَا

فَكَابَدُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ ... وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرَا

لا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ ... لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا

وعَمِلوا بنصيحة الشافعيِّ - رحمه الله تعالى - إذْ يقول:

أَخِي، لَنْ تَنَالَ الْعِلْمَ إِلاَّ بِسِتَّةٍ ... سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ

ذَكَاءٌ وَحِرْصٌ وَاجْتِهَادٌ وَبُلْغَةٌ ... وَصُحْبَةُ أُسْتَاذٍ وَطُولُ زَمَانِ

وزاحمهم في ذلك أغمارٌ أصاغرُ، تَزَبَّبوا قبل أن يَتَحَصْرَمُوا، ورامُوا الطَّيران بغير ريشٍ، وأقحموا أنفسهم فيما لا يُحسنون، فأُسْمِعوا ما يكرهون، وكانوا عن هذا في غِنًى وعافية، لكنَّ حبَّ الظُّهور يقصِم الظُّهور، والجزاء من جنس العمل.

وزيَّنَتْ لهم أنفسُهم التلقُّبَ بِعظيم الألقاب، والتَّكنِّي ببديع الكُنَى، عسى أن تَرفعَ من خَسيسَتِهم، فَما أَغْنَتْ عَنْهُم شيئًا، وكانوا كمَن قيل فيه:

أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْر مَوْضِعِهَا ... كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صَوْلَةَ الأَسَدِ

ثُمَّ صار أمْرُهُمْ ضِغْثًا على إبَّالةٍ، فَلَمْ يَقْتَصِرُوا على ما سَبَقَ، بَلْ رمَوْا غَيْرَهُمْ بِدَائِهِم، ونازَلوهم في ساحات المناظرة، منازلةَ العالِم للجاهل، والصَّبور على الجهول، وأَخْلِقْ بهم أن يكونوا على الضّدِّ من ذلك، وأن يُنْشِدَ رائيهم قولَ خلف الأحمر:

لَنَا صَاحِبٌ مُولَعٌ بِالْخِلافِ ... كَثِيرُ الْخَطَاءِ قَلِيلُ الصَّوَابِ

أَلَجُّ لَجَاجًا مِنَ الْخُنْفُسَاءِ ... وَأَزْهَى إِذَا مَا مَشَى مِنْ غُرَابِ!

وأن يتأسَّف على إفساح المجال لأمثالهم، ليقولوا في دين الله بغير علمٍ، في ظلِّ غياب - أو تغييب - الكفاءات المعتبَرة للحِسْبة الشَّرعيَّة، دون أن يؤخَذ على أيديهم، وأن يؤطَروا على الحقِّ أطْرًا.

ورحمة الله على القاضي عبدالوهَّاب المالكي، القائل:

مَتَى يَصِلُ العِطَاشُ إلى ارْتِوَاءٍ ... إِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِنَ الرَّكَايَا؟!

وَمَنْ يُثْنِي الأَصَاغِرَ عَنْ مُرَادٍ ... إِذَا جَلَسَ الأَكَابِرُ في الزَّوَايَا؟!

وَإِنَّ تَرَفُّعَ الْوُضَعَاءِ يَوْمًا ... عَلَى الرُّفَعَاءِ مِنْ إِحْدَى الرَّزَايَا

إِذَا اسْتَوَتِ الأَسَافِلُ وَالأَعَالِي ... فَقَدْ طَابَتْ مُنَادَمَةُ الْمَنَايا!!

ويا ليتهم إذْ خاضوا تلك اللُّجَّة خاضوها بمروءة الأحرار:

وَمِنْ مُبْكِيَاتِ الدَّهْرِ أَوْ مُضْحِكَاتِهِ ... لَدَى النَّاسِ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ خَصْمُهُ حُرَّا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير