تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من عوائق طلب العلم: الصدّ عن العلماء

ـ[ابو عبد الرحمن الأندلسي]ــــــــ[09 - 10 - 10, 11:25 ص]ـ

من عوائق طلب العلم: الصدّ عن العلماء

لفضيلة شيخنا أبي جابر حفظه الله وسدد خطاه

[بعد الحمد والثّناء ... ] أمّا بعد:

عباد الله: فهذه هي الخطبة السّادسة من سلسلة " عوائق طلب العلم "، ولعلّها الأخيرة في بابها، لتعود الأمور إلى نصابها، فقد ذكرنا أشدّها صعوبة وعَوصاً، ثمّ إنّ كثرة البياض قد تكون برصا.

وكما ذكرنا في لقاءاتنا الماضية أنّ هذه العوائق لا تحدّ، ولا تحصى ولا تعدّ، فآثرنا أن تكون خاتمة هذه السّلسلة هو الحديث عن عائق عظيم، وحائل وخيم، ألا وهو الطّعن في العلماء، والصدّ عن الدّعاة المصلحين الأتقياء ..

حديثنا اليوم عن قومٍ يعملون ليل نهار، على الحطّ من الأقدار، وتشويه سمعة الأخيار ..

قوم تراهم يتحرّكون كالخفافيش في الظّلام، ويعملون عمل الأعداء اللّئام ..

تنكّرت منهم الوجوه والقسمات، وزالت عنها الأنوار والبسمات، مع أهل المال والجاه أحبّة أخلاّء، ومع العلماء والدّعاة أعداءٌ ألدّاء.

لا يلتمسون المعاذير، ويسعون لإسقاط أهل الفضل والمشاهير، يبثّون عنهم الشّائعات، ويختلقون ضدّهم الوِشايات، زاعمين بيان الحقّ والإصلاح، والحقّ أنّهم يزرعون الفساد والطّلاح {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)} ..

مثلهم كمثل الذّباب لا يقع إلاّ مواقع العلل، نذروا أنفسهم على تتبّع العثرات والزّلل، فما رأوه صالحا تناسوه ودفنوه، وما رأوه عيبا وزلّة نشروه، فكانوا شرّا ممّن وصفهنّ النّذير البشير، بأنّهنّ يجحدن الخير ويكفرن العشير ..

قد ينبت الدّم على مرعى الثّرى وتبقى حزازات النّفوس كما هيا

أيذهب يوم واحد إن أسأته بصالح أيّامي وحسن بلائيا

وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

إنّها نداءات لعلّها تذكّر الغافلين، وتثبّت العاقلين ..

النّداء الأوّل: اعلم أيّها الطّاعن في العلماء والدّعاة أنّك من مظاهر قبض العلم ..

فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عبدِ الله بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: ((إنَّ الله لاَ يَقْبضُ العِلْمَ انْتِزاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ)). ثمّ ماذا: ((حَتَّى إذا لَمْ يُبْق عالماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوا بغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُوا وَأَضلُوا)).

فإذا فُقِد العالم، ضاعت للحقّ جلّ المعالم .. وانظر مصداق ذلك في قول أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم وهو يخبرنا بزوال العاصم وظهور القواصم: ((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا)). يظهر كلّ ذلك عند زوال أو نقص العلم!

وكلّما مات عالم من العلماء - خاصّة في هذا الزّمان -، تذكّرنا هذا الحديث، وسعينا إلى تذكير النّاس به السّعي الحثيث .. إذ هو من دلائل نبوّة سيّد الأنام، وإنذار لأمّة الإسلام، بأوان رفع العلم وظهور الجهّال، وقبض العلماء وانتشار أئمّة الضّلال.

ولكنْ .. هل المقصود من قبض العلماء، هو مجرّد موتهم؟ هل المقصود من قبض العلماء هو مجّرد ذهاب أجسادهم وذواتهم؟

فاعلموا أنّ من مظاهر قبض العلماء في هذا الزّمان هو قبض علمهم بالصدّ عنهم، والوقوف بين النّاس وبينهم، شأن كلّ قاطع طريق، ينتحل وجه الخليل والصّديق، فتنادوا كلّ حين بين العباد: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ..

بل كثيرا ما يتبنّون التّهديد، ويجهرون بالوعيد، فقالوا: من لم يقل بقولنا فليس منّا: {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير