ونقصد بهم أئمّة الكتاب والسّنة على سير وفهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن تبعهم بإحسان، الذين عُرِفوا بتحرّي الاستدلال من هذا المعين الصّافي، والمنبع الكافي:
- لا يقدّم في باب العقائد قواعد أهل الكلام على كلام ربّ البريّة.
- ولا يقدّم في باب الأحكام الشّرعيّة آراء الرّجال على النّصوص الشّرعية.
- ولا يقدّم في باب السّلوك والتّربية خرافات الصّوفيّة.
- ولا يقدّم في مجال الدّعوة وطريقِها الأفكار البشريّة والسّياسات الوضعيّة والنّزعات الحزبيّة.
فإذا علمت أحدا هذه طريقته في الاستدلال، فهو السّنّي وإن أخطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن وقع في بدعة من البدع:
" ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك.
ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة.
بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين، وكفّر وفسّق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحلّ قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات ... " [1] ( http://www.nebrasselhaq.com/index.php?option=com_*******&view=article&id=130:2010-10-08-09-06-49&catid=8:2010-03-30-21-18-31&Itemid=19#_edn1).
ويقصد بقوله رحمه الله:" ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة ... " الخ، بعض بحار هذا الدّين، كعكرمة، والثّوري، وسعيد بن جبير، والضّحاك، وغيرهم كثير ممّا لا يمكن إحصاؤه.
إذن فهذا الكلام عن المقتدين بالكتاب والسنّة، أمّا المتّبعون لأهوائهم من المبتدعة وغيرهم، فليس على مثلهم يُلوى، ولا على مثلهم يحزن.
فموقف المسلم من خطأ هؤلاء أن يكون وسطا بين الإفراط والتّفريط:
فهناك طائفة فرّطت فقالت: نسكت على الأخطاء والزلاّت، ونغطّي الهفوات والهِنات!
وطائفة أفرطت قالت: لا بدّ من التّشهير بهم والتّحذير منهم!
والحقّ وسط لا نقص ولا شطط .. فلا بدّ من بيان الخطأ لكن في أدب ..
فبيان الخطأ واجب شرعيّ، وهو من الميثاق الذي أخذه الله تعالى من العلماء، ولا يزال العلماء سلفا وخلفا يتكلّمون في المسائل المختلف فيها، ويبيّنون الصّواب، ويدمغون به الباطل.
ولكن لا بدّ من الأدب والرّفق في النّصح وبيان الخطأ، لأنّ الحقّ بطبعه ثقيل، فإذا أسبغت عليه طابع الشّدة نفر منك السّامع، ولم يتحقّق المقصود وهو بيان الحقّ والدّعوة إليه.
هذا حقّ المسلم على المسلم أن يجد الأعذار كلّ منهما للآخر، وأن يعطف كلّ منهما عل الآخر، وأن يحبّ كلّ منهما الخير للآخر، ما دام الجميع قد أجمع على أنّه لا معصوم من البشر، والكمال المطلق لله تعالى.
فالعالم أولى بهذا الحقّ من غيره، إذ فضلهم مشهور، وذنبهم بعد الاجتهاد مغفور.
واقرأ في كتب الأئمّة الأعلام الذين ملؤوا الدّنيا بمصنّفاتهم، تجد الأدب الجمّ .. تجد التّواضع .. تجد الاحترام والتّقدير والإجلال .. تجد حفظ الفضل لأهله - ولا يحفظ الفضل إلاّ من كان من أهله -.
تجد الأئمّة الحفّاظ إذا اطّلعوا على شيء قالوا: وقد قال فلان - عفا الله عنه - كذا، كلّ ذلك من باب الأدب، ولذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَا أَذِنْتَ لَهُمْ}، فقدّم له المغفرة والعفو قبل العتاب واللّوم، لذلك ينبغي التّأدّب مع الأئمّة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
روى الخطيب رحمه الله في " الكفاية ": عن ابن المسيّب قال: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلاّ وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله.
ومن الكلام الذّهبي للإمام الذّهبيّ في ترجمة محمّد بن نصر قوله:" ولو أنّا كلّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورا له، قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه لما سلِم معنا ابن نصر ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هادي الخلق إلى الحقّ، وهو أرحم الأرحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ".
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في "مدارج السّالكين" (1/ 312):
" فلأهل الذّنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهّرون بها في الدّنيا، فإن لم تف بطهرهم طُهِّروا في نهر الجحيم يوم القيامة:
¥