تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مسارات طلب العلم]

ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[19 - 10 - 10, 05:42 ص]ـ

[مسارات طلب العلم]

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فإن الله شرف أهل العلم بالفقه في الدين، والدعوة إليه على بصيرة، وتعليم الناس الخير، وجَعَلَهم أئمة يهدون بأمره، ويدعون إلى دينه، ويجاهدون في سبيله، ويبينون للناس ما نزل إليهم؛ فمن سلك سبيلهم واهتدى بهديهم صار منهم وحشر معهم وشَرُفَ بالنسبة إليهم، وصدقه الله وعده فيما وعد به أهل العلم والإيمان من الفضل العظيم في الدنيا والآخرة.

فلذلك كانت غاية طالب العلم أشرف الغايات، وكانت عبادة العلم أصل جميع العبادات، وتواترت الأدلة ببيان فضل العلم وأهله الذين يطلبونه ابتغاء وجه الله.

ولما كان هذا الطريق مفضياً إلى الخير العظيم في الدنيا والآخرة اشتد كيد الشيطان وحزبه في صد الناس عنه، وإغوائهم عن سلوك سبيله، فقعد للسالكين فيه مقاعد كثيرة وتفنن في أساليب الإغواء؛ فمنهم من رده عن سلوكه من أول الطريق، ومنهم من أخذ به ذات اليمين وذات الشمال؛ فزاغ عن المحجة وانحرف عن الصراط المستقيم والهدي القويم، وما ذلك إلا لجهلهم وظلمهم وتفريطهم فيما وصاهم الله به.

وسارت فئة صابرة موقنة في طريق العلم معتصمين بالله تعالى لا تنطوي عليهم حبائل الشيطان وحزبه، ولا ينخدعون بزخرف قولهم وأمانيهم، قد جعلوا غايتهم نصب أعينهم، ونظروا بنور الله فأبصروا الطريق المستقيم فسلكوه، وصبروا على ما أصابهم حتى بلغوا ما أمَّلوه؛ فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة , إذ رفع الله ذكرهم، وجعل محبتهم في قلوب عباده، يحبونهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم بخير، تجري عليهم الحسنات، وترتفع بهم الدرجات، وهم في عداد الأموات؛ فرحين بما آتاهم الله من فضله، وما أنجز لهم من وعده؛ فأولئك هم أئمة الدين، وأولياء رب العالمين، تعلَّموا فأحسنوا التعلم، وعملوا فأحسنوا العمل، وعلَّموا فأحسنوا التعليم، وصبروا على ما أصابهم حتى لقوا ربهم وهو راض عنهم.

فنسأل الله العظيم من فضله وأن يجعلنا منهم، ويلحقنا بهم.

وطلب العلم الشرعي من أشرف أمور الدين، وهو يسير بتيسير الله لدينه، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (العلم نقطة كثَّرها الجاهلون).

وقد شرح هذه الجملة أحمد بن محيي الدين الجزائري (ت:1320هـ) في رسالة سماها (نثر الدر وبسطه في كون العلم نقطة).

والعلم النافع هو فَهم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد يسر الله القرآن لنا تيسيراً عظيماً فقال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وحفظه لنا نصاً وبياناً فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه}.

وجمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم في فصاحة لا تكلف فيها، وبيان لا يشوبه تعقيد ولا غموض، وجعل له نوراً وبهجة في النفوس، وحفظ لنا أصله من الضياع، وحفظ بيانه من التحريف والتأويل، وشرف أهل العلم بروايته ودرايته، والقيام بحقه ورعايته، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، حتى رفع الله درجاتهم، وكرَّمهم وشرَّفهم بما منَّ عليهم، وجعلهم أئمَّة يقتدى بهم؛ فلا تزال كتبهم شاهدة على حسن بلائهم وعلو مقامهم في العلم والتحقيق، قد كتب الله لها القبول، وأبان بها السبيل، ولا يزال طلاب العلم ينهلون من معينها، ويدعون لأصحابها، ويتعلمون منها ويعلِّمون بها.

وكانت غاية المتعلم أن يحذو حذوهم ويقتفي أثرهم حتى يبلغ ما قُدِّرَ له أن يبلغ من العلم والإمامة في الدين.

وقد تنوعت طرائق أهل العلم في تحصيله وتعليمه، فكان منهم أهل حفظ وضبط، ومنهم أهل فقه وفهم، فاعتنى كل منهم بما فُتِحَ له فيه، فنفع الله بهم ما شاء أن ينفع، ومنهم من جمع الله له الحسنيين فكان إماماً من الأئمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير