تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جمع الله لبعض العلماء علوماً كثيرة تمكنوا منها، وتقدموا فيها، حتى شُهد لهم بالإمامة والتقدم في تلك العلوم، ولهم من المؤلفات والمرويات في ذلك ما يدل على سعة علمهم وفضلهم، فكان من شأن بعض المتعلمين أن يختار مؤلفات إمام من هؤلاء الأئمة أو مروياته فيعتني بها عناية فائقة، بجمعها وقراءتها، وفهم مقاصدها، واستظهار مسائلها، وتبيُّن دلائلها، ويشتغل بها سنوات من عمره حتى يحذقها حذقاً جيداً، ويضيف إليها بعض ما يستفيده من مؤلفات غيره وما يفتح له فيه من النظر والفهم والمعرفة، حتى يكون عالماً من العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل والإمامة.

وكان هذا المسار عمدة بعض العلماء المعروفين، وسأضرب لذلك ثلاثة أمثلة:

المثال الأول: الإمام اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني الملقب بثعلب، كان من الأئمة المبرزين في علم اللغة.

هذا الإمام أقبل على قراءة كتب الفرَّاء يحيى بن زياد الكوفي فحذقها وعمره لم يجاوز الخامسة والعشرين، ثم استزاد عليها من كتب غيره، ومما تعلمه من شيوخه فصار إماماً ذا شأن عظيم لدى أهل العلم.

قال عنه ياقوت الحموي: (إمام الكوفيين في النحو واللغة، والثقة، والديانة)

وقال الإمام أبو بكر بن مجاهد وهو أول من اختار الأئمة السبعة في القراءات: (كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال لي: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما يكون حالي في الآخرة؟!

فانصرفت من عنده، فرأيت تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل).

المستطيل: أي المنتشر الذي بلغ نفعه أهلَ التفسير والحديث والفقه وغيرهم.

المثال الثاني: أبو عمر الزاهد الملقب بغلام ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد، فهذا العالم الجليل كان خادماً للإمام ثعلب، فاعتنى بكتبه وعلومه عناية فائقة، وكان حسن الفهم قوي الحفظ، ولم يزل يزداد من علم شيخه ويضيف إليه ما يستفيده من غيره حتى أصبح من العلماء الأعلام.

قال عنه ابن برهان الأسدي: (لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد)، وله كتاب في غريب القرآن اسمه (ياقوتة الصراط) يدل على علمه وفضله وتقدمه.

المثال الثالث: الفقيه الحنبلي المعروف محمد بن مفلح الصالحي (ت:763هـ) اعتنى بمسائل الإمام أحمد وفِقْهِهِ عنايةً بالغة، حتى بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً عرف له العلماء فيه فضله وإمامته وتقدمه حتى كان يقال عنه: (أعلم أهل عصره بمسائل الإمام أحمد).

قال عنه ابن القيم: (ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح).

وقال عنه ابن كثير: (كان بارعاً فاضلاً متقناً في علوم كثيرة ولاسيما في الفروع).

وقال عنه ابن حجر: (صنف (الفروع) في مجلدين أورد فيه من الفروع الغريبة ما بهر العلماء).

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول له: (ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح).

المسار الخامس: مسار القراءة المنظمة

مسار القراءة المنظمة من المسارات المهمة التي اعتنى بها بعض أهل العلم فحصلوا تحصيلاً عظيماً مباركاً، ذلك أنهم تبينوا في كل علم من العلوم التي أرادوا طلبها الكتب المهمة فيه، فدرسوا مسائلها وفقهوا دلائلها، وعرفوا العلماء المبرزين في كل علم من تلك العلوم، فأضحت طرق التعلم أمامهم ظاهرة جلية، ومعالمه بينة غير خفية، فقرؤوا وانتفعوا، وتدرجوا في تلك الكتب حتى حصلوا ما حصلوا من العلم، وكان من هؤلاء من لا يكاد يسأل عن مسألة إلا أخبر بموضعها في تلك الكتب ومظان بحثها، والعلماء المحققين فيها، فصارت لهم بذلك ملكة حسنة تختصر عليهم كثيراً من الجهد والوقت.

أعلم أن كل مسار من هذه المسارات يستدعي الحديث في بيانه والتفصيل فيه محاضرة كاملة، وإنما قصدت في هذا الموضوع إجمال بيان هذه المسارات لأهميتها، ولئلا يظن بعض طلاب العلم أن طلب العلم محصور على طريقة دون غيرها، فإذا رآها تعسرت عليه ظن أنه لا حظ له في طلب العلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير