تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كانوا يكرهون الألقاب]

ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[29 - 10 - 10, 10:07 م]ـ

في كتاب" تغريب الألقاب العلمية " للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد – رحمه الله – بحث جيد في هذا الباب أحببت أن أنقله لما فيه من الفائدة:

قال – رحمه الله – (ص 22، 29):

«ويستطيع الناظرُ في كتب التراجم عندما ينعم النظر في السِّيَرِ والرجال أن يتجلَّى له بوضوحٍ مظهرُ الانطباعِ بروح التواضع والافتقار، ونتيجةً لهذا فلن يرى من يُلَقِّبُ نفسه بما كان يستحقُّه من لقبٍ علمي، أو لقب تزكيةٍ في حياته وزمانه، بل سيرى مواقف الأَنَفَةِ من ذلك، وهذا منتشر في كتب النَّقَلَةِ للسِّيرِ والرجال.

فهذا الإمامُ المحدِّثُ أبو إسحاق السَّبيعِي: عمرو بن عبد الله، المتوفى سنة 129هـ لما قال له شخص: أأنت الشيخ أبو إسحاق؟ قال: لا أنا أبو إسحاق.

وهذا العمادُ الحنبلي: إبراهيم بن عبد الواحد المَقْدِسي المتوفى سنة 614هـ كان إذا سُمِعَ عليه جُزْء وكتبوا على ظهره: سمع على العالم الوَرع، نهاهم عن ذلك، كما في " ذيل الروضتين " لأبي شامة المقدسي.

وفي "الشذرات" لابن العِمَاد (6/ 34)، قال: (قال السُّبكي: كان ابن دقيق العيد لا يُخَاطِبُ أحداً إلا بقوله: يا إنسان، غير اثنين: الباجي، وابن الرِّفْعة، يقول للباجي: يا إمام، ولابن الرفعة: يا فقيه) أهـ.

وفي ترجمة القاضي أبو البركات أحمد بن إبراهيم الكناني العسقلاني الحنبلي المتوفى سنة 886هـ كما في " ذيل رفع الإصر " للسخاوي، قال: " وأَلْزَمَ الموقعين بالمنعِ من مزيدِ الألقابِ له ولأبيه ولِجَدِّهِ، وأمرهم بالاقتصار على قاضي القُضاة لكل منهم، وقال: هذا وصفٌ صحيح، وكذا منعني - القائل السخاوي – من إطْرَائِهِ، وأمرني بالاقتصار في ترجمته على شيوخه ونحو ذلك، وقال: لست في حِلٍّ من زائد عليه .. ) أهـ

ومن الاقتصار في الألقابِ ما جاء في ترجمة عبد الله بن وهب المالكي، المتوفى سنة 197هـ كما في " وَفَيَاتِ الأعيان ": (3/ 36، برقم 324)، قال:

(وكان مالك يكتب إليه إذا كتب في المسائل: إلى عبد الله بن وهب المفتي، ولم يكن يفعل هذا مع غيره) أهـ

وفيه أيضاً (3/ 345) في ترجمة الهكاري المُلَقَّب بشيخِ الإسلام المتوفى سنة 486هـ، قال:

(وسمعتُ أنَّ بعضَ الأكابرِ قال له: أنت شيخ الإسلام، فقال: بل أنا شيخ في الإسلام) أهـ

وقال أبو الحسن العامري المتوفى سنة 381هـ في كتابه " الأمد على الأبد ":

(ولقد كان شَيْخُنا أبو زيد أحمد بن سهل البلخي – رحمه الله – مع تَوَسُّعِهِ في أصناف المعارف، واستقامةِ طريقتِهِ في أبوابِ الدين، متى نَسَبَهُ أحدٌ من مُوَقِّرِيه إلى الحكمة يشمئزُّ منه ويقول: لهفي على زمان يُنْسَبُ فيه ناقصٌ مثلي إلى شرف الحكمة ... ثم قال: هذا حال أُستاذه: يعقوب بن إسحاق الكِنْدي).

وقال ابن الحاج في " المدخل " (1/ 127) في مَعْرَض بحثه النفيس في ذلك:

(ألا ترى إلى الإمام النووي – رحمه الله – من المتأخرين لم يرضَ قَطُّ بهذا الاسم، وكان يَكْرَهُهُ كراهةً شديدةً على ما نُقِلَ عنه وصح، وقد وقع في بعض الكتب المنسوبة إليه – رحمه الله – أنه قال: إني لا أجعلُ أحداً في حِلٍّ ممن يسميني بمحيي الدين. وكذلك غيره من العلماء العاملين بعلمهم ..

وقد رأيتُ بعضَ الفُضَلاء من الشافعية من أهل الخير والصلاح إذا حَكَى شيئاً عن النووي – رحمه الله – يقول: قال يحيى النووي؛ فسألتُهُ عن ذلك فقال: إنا نكره أن نُسميه باسمٍ كان يَكْرَهُهُ في حياته، فعلى هذا فهذِهِ الأسماءُ إنما وضعت عليهم تَفَعُّلاً وهم برآء من ذلك) أهـ.

وهذا أبو العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النُّميري الشهسر بابن تيمية، المتوفى سنة 728هـ - رحمه الله – رائد القيادة إلى السلفية الرشيدة على أنقاض التأويل ومحض التقليد ومستحكم الأهواء والبدع، كان كثيراً ما يقول [مدارج السالكين (1/ 524)]: (ما أنا بشيء، وما مني شيء)، وكان لا يرضى تَلْقِيبَهُ بتقي الدين، ويقول: لكن أهلي لقبوني بذلك.

وهذا الشيخ محمد المبارك الجزائري ثم الدمشقي، المتوفى سنة 1330هـ - رحمه الله – وَجَّهت إليه الدولة رُتْبَةً علميةً فاستاء جدَّاً، ولم يقبلها، ولم يبعث بشُكْرٍ إلى الوالي، وما رُؤيَ يغضبُ مثل غضبه عند ذكرها، وهذا في ترجمته من كتاب " تاريخ علماء دمشق ": (1/ 275، 276).

وهذا ابن هُبَيْرَة الشيباني، صاحب " الإفصاح "، المتوفى سنة 560 هـ قال يوماً كما في " الشذرات " (4/ 193):

(لا تقولوا في ألقابي: سيد الوزراءِ، فإن الله سبحانه سمى هارونَ: وزيراً، وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أن وزيريه من أهل السماء جبريلُ وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر).

بل إن تَشَدُّدَهم في ذلك وصل إلى حَدِّ عدمِ إطلاقها إلا بقدر الاستحقاق، ويتعقبونَ من تجاوز في ذلك. و انظر في " القديم والحديث " (ص 297) لمحمد كرد علي فهو مهم.

وهذا بابٌ من النقول موسَّع يقع الناظرُ عليه من خلال تراجُم الرجال وسِيَرِهم لاسيما الصحابة – رضي الله عنهم –، ثم التابعون لهم بإحسان، ثم للورثة عنهم بحسب سهامهم من ميراث النبوة، ومنه يتحصلُ أن تَلْقِيْبَ المرءِ نَفْسَهُ بألقابِ العلم والتزكيةِ هو خلاف الأدبِ النافع، والسَّمتِ الصالح».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير