تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[العلم وأخلاق أهله]

ـ[نضال داوود أبوشميس]ــــــــ[12 - 11 - 10, 09:34 م]ـ

[العلم وأخلاق أهله]

الامام عبدالعزيز بن باز رحمه الله

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين، أما بعد:

فلقد سمعنا من قارئنا آيات مباركات فيها العظة والذكرى، وبيان أن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، وأنه العالم بأحوال العباد وما تكنه صدورهم وما يعلنون، وأنه المحمود جل وعلا في الأولى والأخرى سبحانه وتعالى، وأن المرجع إليه والمصير إليه، وأنه المتفضل بالليل والنهار في مصالح العباد، وأن ذلك من رحمته عز وجل. فما أولانا بتدبر كتابه الكريم، تدبر من يريد العلم، ومن هو مؤمن بهذا الكتاب العظيم، وأنه كلام الله حقاً، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ما أولى أهل العلم بأن يتدبروا هذا الكتاب العظيم، وأن يعنوا به غاية العناية، قاصدين معرفة مراد ربهم عز وجل، والعمل بذلك، عملاً بقوله عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [1]، وبقوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [2]، مستشعرين قوله عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [3]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [4]. فوصيتي قبل كلمتي: العناية بهذا الكتاب العظيم تدبراً وتعقلاً، وإكثاراً من تلاوته، وعملاً بالمعنى. فهو أنزل ليعمل به، لا لمجرد التلاوة، فأسأل الله للجميع التوفيق.

أما كلمتي هذه الليلة فأرجو أن تكون موجزة، وهي كما قال المقدم: "العلم وأخلاق أهله" العلم معلوم لدى الجميع فضله، وأن أشرف شيء يطلبه الطالبون، ويسعى في تحصيله الراغبون هو: العلم الشرعي، فإن العلم يطلق على أشياء كثيرة، ولكن عند علماء الإسلام المراد بالعلم هو: العلم الشرعي، وهو المراد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق، وهو العلم بالله وبأسمائه وصفاته، والعلم بحقه على عباده، وبما شرعه لهم سبحانه وتعالى. والعلم بالطريق والصراط الموصل إليه وتفاصيله، والعلم بالغاية والنهاية التي ينتهي إليها العباد في الدار الأخرى.

هذا العلم الشرعي هو أفضل العلوم وهو الجدير بالطلب والحرص على تحصيله؛ لأنه به يعرف الله سبحانه وتعالى وبه يعبد، وبهذا العلم يعرف ما أحل الله وما حرم وما يرضيه وما يسخطه. وبهذا العلم يعرف المصير إليه والنهاية من هذه الحياة، وأن قسماً من هؤلاء المكلفين ينتهون إلى الجنة والسعادة، وأن الآخرين وهم الأكثرون ينتهون إلى دار الهوان والشقاء، وقد نبه أهل العلم على هذا وبينوا أن العلم ينحصر في هذا المعنى، وممن نبه عليه القاضي ابن أبي العز شارح الطحاوية في أول شرحه، ونبه عليه غيره كابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة آخرين. وهو واضح ويتفاوت في الفضل بحسب متعلقاته، فأفضله وأعظمه وأشرفه ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، وهو علم العقيدة، فإن الله جل وعلا له المثل الأعلى سبحانه وتعالى، وهو الوصف الأعلى من جميع الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

ثم يلي ذلك ما يتعلق بحقه على عباده، وما شرعه من الأحكام، وما ينتهي إليه العاملون، ثم ما يتبع ذلك مما يعين عليه، ويوصل إليه من علم قواعد العربية، والمصطلحات الإسلامية في أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وفي غير ذلك مما يتعلق بذلك العلم ويعين عليه، وعلى فهمه، والكمال فيه. ويلتحق بذلك علم السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وتراجم رجال الحديث وأئمة الإسلام، ويلتحق بذلك كل ما له صلة بهذا العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير