تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإياك نستعين" جعل الهمة في طلب ما يرضي الله -جل وعلا-، ويدخل تحصيل العلم الشرعي المرضي والموصل إلى مرضاة الله -جل وعلا- دخولاً أولياً؛ لأنه بعد الفرائض من أفضل ما يتعبد به.

يقول ابن القيم في مدارج السالكين: "الهمة فعلة -يعني زنتها فعلة- وهو مبدأ الإرادة" الإرادة التي تبعث الإنسان على الفعل مبدأها الهمة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، ولذا من أراد أن يفعل لا يقال: إنه عنده همة، نعم، من يوصف بالهمة العالية؟ من فعل، أما من أراد أن يفعل ولما يفعل هذا لا يوصف بعلو الهمة لماذا؟ لاحتمال أن تكون هذه الإرادة مجرد أماني، يعني شخص عنده إرادة وعزيمة أن يحفظ أكبر قدر من العلوم هل يوصف بأن عنده همة؟ لأنها مبدأ الإرادة؟ أو حتى يترجم هذه الإرادة عملياً ويحفظ بالفعل, يعني شخص في تقديره أنه في سنة يحفظ سنن البيهقي مثلاً، هذا مبدأ الإرادة، وكانت الهمة تطلق على هذا باعتبار أن هم بالشيء أراده؛ لكن متى يترجم هذه الهمة؟ ومتى تسمى همة؟ نعم إذا انتهى، حفظ البيهقي وانتهى، قلنا: عنده همة, شخص يقول -وهو مبتلى بالسهر- يقول وهو في شعبان: إذا خرج رمضان سوف أترك السهر, هذا عنده همة؟ وإلا إذا ترك بالفعل وقاوم؟ نعم هذا صحاب الهمة أما مجرد الإرادة قبل التنفيذ فهي موقوفة على التنفيذ، فمنها ما هو همة بالفعل، ومنها ما هو مجرد أماني، وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالهمة إذا لم تترجم إلى واقع عملي هذه مجرد أماني وتسويف، سوف يفعل، وسوف يفعل.

فالهم مبدأها والهمة نهايتها, الهمة كغيرها من الغرائز منها ما هو جبلي فطري؛ ومنها ما هو مكتسب، ولها طرفان ووسط، فإذا جُبل الإنسان على علو الهمة لا شك أن مثل هذا يزاول أعماله بكل ارتياح، وقد تزيد هذه الهمة بالتهمم، كما أن الحلم يزيد بالتحلم، والعلم يزيد بالتعلم، هذه الهمة الجبلية التي غرست في نفوس بعض الناس والأمثلة تبين تباين الناس في هممهم لا شك أنها كغيرها, الحافظة مثلاً غريزة، والناس يتفاوتون ويتباينون تبايناً شديداً؛ لكن الذي يهمل هذه الحافظة ولا يتعاهدها تضعف، والذي يتعاهدها تزيد، وقل مثل هذا في جميع الغرائز، العقل بالتعقل منه ماهو غريزي فطري، ومنه ما هو مكتسب، الحلم، الصبر، الشجاعة، الكرم كلها منها ما هو مغروس في الإنسان ومفطور عليه، ومجبور عليه، ومنه ما يزيد بالمعاناة.

الهمة هذه لها طرفان ووسط بعض الناس عنده همة؛ لكن هذه الهمة تتعدى ما عد له، هذه مذمومة، يعني إذا سمع من يطوف بالبيت ويقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} [(35) سورة ص] نعم هذه همة؛ لكنها همة مذمومة، فكيف إذا كان القائل امرأة , امرأة تطوف بالبيت وتقول هذا الكلام، تبي ملك لا ينبغي لأحد من بعدها, هذه همة مذمومة، نعم يهم الإنسان أو سمها أماني لأن يبلغ منازل لا يستطيعها أو ليست له إما شرعاً أو قدراً، شخص يربي نفسه على أن يصل منازل الأنبياء مثلاً، كما يفعله أصحاب الرياضيات من غلاة المتصوفة، يصلون إلى مراتب من الولاية بحيث تكون فوق منازل الأنبياء والرسل، هذه همة؛ لكنها همة مذمومة، هنالك همم ضعيفة بإمكانه أن يكتسب من أمور الدين أو أمور الدنيا، ومع ذلك يخلد إلى الراحة، فلا يتعاطى الأسباب لا في أمور الدين ولا في أمور الدنيا، ويكون عالة يتكفف الناس، هذا صغير النفس، همه أن يأكل ويشرب، يقول: هذا متيسر أو أجلس في المسجد يتيسر الأكل والشرب أو أجلس في بيتي، الجيران ما يقصرون، نعم وفي مثله يقول القائل:

"ومن تكون همته ما يولج في بطنه قيمته ما يخرجه"

هذه همة؛ لكن همة ضعيفة، نسأل الله السلامة والعافية، فهل يليق بمسلم مثل هذا الأمر؟ وقد تكاثرت النصوص وتضافرت على اكتساب ما ينفع من وجوهه، فكيف بما جاء من نصوص الكتاب والسنة في طلب أشرف مطلوب وأعظم مقصود، وهو العلم بالله -جلا وعلا-، وبآياته وصفاته وأحكامه وشرائعه، وما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-, من تكون همته مدارسة الكتاب والسنة, المسألة طرد وعكس، قيمته إيش؟ نعم هذه الهمة شرفها بشرف كون مأخوذ بشرف ما يهتم به، وهذا الأمر من أعظم ما يهتم به شرعاً وعلى هذا ينبغي لطالب العلم أن تكون همته تحصيل علوم الكتاب والسنة، وما يخدم هذه العلوم، ما يخدم الأصلين من علوم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير