تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ان هذا العلم دين]

ـ[أبو الحسن الرفاتي]ــــــــ[23 - 11 - 10, 11:09 ص]ـ

الحمد لله وحده وبعد ..

جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " الحديث.

وقد تكلم العلماء عن هذا الحديث وتنوعت شروحاتهم له ومن ذلك قول الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ عن هذا الحديث في شرحه المشهور: " قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس .. الخ.أ. هـ كلامه.

قلت: ويشمل ذلك عدة أمور، سواء مما هو متعلق بالعبادة أو العلم أو غير ذلك ....

ولذا فإننا لو نظرنا لمن طلب العلم ــ لمن تصدّر قبل أوانه ــ لوجدناه كالمنبتّ، فقد ظنَّ أنه حصّل شيئا وليس كذلك ومضى عليه الوقت ولم يضبط علماً بأصوله، فمن المعلوم بأن للعلم طرقاً ومناهج وتدرّجات، لا يشعر بها إلا من أُحْرِقَ في العلم حتى تميّز، ومن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة، وقد قيل: (احْذَرِ التَّصَدُّرَ قبلَ التأَهُّلِ؛ فهو آفةٌ في العِلْمِ والعَمَلِ)، كما جاء عن بعضهم: " مَن تَصَدَّرَ قبلَ أَوانِه؛ فقد تَصَدَّى لِهَوَانِهِ ".

لذا فإن من لم يحني ركبتيه في دروس العلماء، لم يصح أن تنحني الركَبُ عنده، ومن رام سمت العلماء والفقهاء ــ وهو ليس منهم ــ لم يصحْ أن تُضربَ الأرض له، ففاقد الشيء لا يعطيه.

وليت لنا جميعاً أسوة فيمن سبقنا من السلف الصلح، أولئك العظماء الفقهاء الأتقياء، تدافعٌ في الفتوى، وتدافعٌ في الإمامة، وهضمٌ للذات، وحبٌ للاستتار والخلوة، وبعدٌ عن الأضواء يصاحبه بغضٌ للشهرة والصيت، ذلك لأنهم علموا أن حب الشهرة مرضٌ يقدح في الإخلاص.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: " أريد أن أكون في شعب بمكّة؛ حتى لا أُعرف، و قد بُليتُ بالشهرة ويقول أيوب السختياني رحمه الله: " ذُكرت و لا أحبُّ أن أُذكر ".

لذا فإن حضور درسٍ من دروس العلم وقراءة كتاب أو كتابين، والحصول على درجة علمية من قسم شرعي، أو تولي منصب ديني، كل ذلك لا يجعل من الإنسان عالماً معلّماً فتعليم الناس وتدريسهم ووعظهم علمٌ، ولا يسوغ لأحد التصدر قبل تحقق الأهلية العلمية التي تخوله في هذا الأمر، ويخشى لمن استعجل ذلك أن يكون ممن تعلم العلم ليصرف وجوه الناس إليه.

وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: " من تعلّم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرْفَ الجنة يوم القيامة (يعني ريحها) " أخرجه أبوداود وابن ماجة، وصححه الألباني.

ومن العجب أن تجد من كان في يوم من الأيام في أوحال الغفلة والمعصية، ثم أكرمه الله بالتوبة والإنابة. من العجب أن تجده قد تسنّم هذا الأمر وارتقى هذا المرتقى الصعب ولمّا يصلب عوده في أمور الطاعة ولم يربي نفسه على الورع؛ فضلاً عن أن يتصدر لهذا الأمر وهو لا يعرف أصول النظر في العلم الذي بين أيدينا وكيفية الأخذ به، وقواعده وناسخه ومنسوخه ويخوض في أمور مستقرة وثابته بمجرد الاطلاع على شيء من العلم، وقد ينضمّ إلى هذا الأمر ما يصدر من بعض الناس عادة أو بعض الفئات من رفعٍ للأشخاص فوق مقامهم فيبتلى من حيث لا يعلم ويقع في هذه الشباك ويفتن به بعض عوام الناس، وربما كانت حاله الأولى أفضل من هذه الحال، لمّا انضمَّ إليها العجب والكبر.

وأقول إن معصية الله تعالى لا يقرها مسلم ولكن القول على الله بلا علم أعظم، فقد قرنه الله تعالى مع الشرك به، وقد قيل في أمثال أولئك (تزبّب قبل أن يتحصّرم).

لذا نجد أن هناك من قد يغوص في مسائل علمية، يخطّئ فيها العلماء بل ربما طعن في مقاصدهم، ولو سألته عن مسألة من ضروريات الدين، لتوقّف زمناً ليراجع ذاكرته!!

فلنحذر أشد الحذر ..

فالأمور إلى الانفلات منها أقرب إلى الانضباط في كثير من المجالات، سواء في الفتوى أو التعليم أو غير ذلك ولا بد من ضبط ذلك ...

والذي يظهر أن الناس ينجرّون إلى مثل هذه الأمور وذلك لمحبتهم للخير وأهله، ولم يفرقوا بين العالم والعابد والواعظ ومتولي المنصب، ففضل العالم على العابد كفضل القمر في ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن هذا العلم دين فيجب التحرّز والتثبت عند أخذ هذا العلم، يقول بعض السلف:" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" سيأتي على أمتي زمان يكثر فيه القراء ويقل الفقهاء ... " [جامع بيان العلم وفضله].

وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: " أنتم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه .. ".

وهذا فيه حثٌّ من ابن مسعود على الاهتمام بالعلماء والأخذ عنهم، والواقع في زماننا الاهتمام بالخطباء ـ على اختلاف أنواعهم ـ والزهد في العلماء وما يحملون من ميراثٍ عظيم.

وأخيراً أختم بقوله تعالى: " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الآية.

وأعلم أخي طالب العلم ــ وفقني الله وإياك ــ " أن من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة ".

والحمد لله أولاً وآخراً.

وكتب

صلاح بن خميس بن عبد الله الغامدي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير