إذن ما ثم مسألة حصيلة هذه القرون العظيمة قلت أو صغرت في علوم الشريعة الأصلية أو المساندة إلاَّ وثَم فيها تصنيف كبير؛ لكن يختلف الناس في الاصطلاح، بعض الناس يقول ما ندري منين جابها فلان، المسائل كبيرة، العلوم طويلة ما نكون مثل الذي يقول ما لم نطلع عليه فليس بشيء، مثل القصة التي تعرفونها عن الإمام أحمد حينما أتى بحديث فقال له رجل: هذا حديث ما سمعناه. قال له: هل سمعت نصف العلم؟ قال: نعم، قال: والنصف الآخر؟ قال لم أسمعه. قال: هذا في النصف الذي لم تسمعه.
وثَم من يدعي في العلم ويتكبر عليه؛ ولكن ليس الكلام فيه مثل ذاك الرجل الذي ما ثم غريبة في اللغة إلا ويعرفها وما يسأل عنى شيء إلا ويجيب، فاجتمع بعض طلابه الذين يحبون البحث وراء الأستاذ، اجتمعوا قالوا: لنخرج كلمة لا أصل لها ونسأل الشيخ عنها، فإذا هم يقطعون بيتا من الشعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
(فاستبق بعضنا) قال نأخذ هذه الكلمة (ق بعض) هذه نأخذها ونسأل الشيخ عليها فلما [ .. ] قالوا: وجدنا كلمة لا نعرف معناها قال ما هي؟ قالوا: كلمة قبعض.
قال: قبعض هذا نبات طيب الرائحة ينبت في أعالي جبال اليمن. وهم في بغداد، وكيف يصلون إلى اليمن وكيف يثبتون صحة هذه المسألة إلى آخره، قد يكون مصيبا وقد لا يكون، وبعض أهل العلم أوردها وقال مصيب قال هذا قال الشاعر:
كأن سنامها حُشِي قبعضا
فإذن العلم واسع وطالب العلم متى يتوسع في البحث إذا اطلع على الكتب، لهذا لا يتصور أن تكون باحثا بدون إطلاع على الكتب ولن تكون مطلعا على الكتب إذا اقتصرت على ما يباع أو ما عندك؛ لأن الكتب بحر لا ساحل له، لما تحمله هذه الكلمة من معنى (بحر لا ساحل له).
فإذن كيف تتطلع على الكتب، تعرف الأمور المختلفة وما ألف فيها؟ تذهب إلى المكتبات العامة، ولهذا ينبغي على طلاب العلم أن يجلسوا في المكتبات العامة، هذه الكتب التي في الرفوف لمن حفظت؟ حفظت لطلاب العلم، إذا كان طالب العلم كسلان لا يتصل بالكتب في أماكنها ولا يعرف الطبعات، ولا يعرف هذا الكتاب هل هو موجود غير موجود، وقديم أو غير قديم، هذا يصيبه فيه ضعف بقدر ما فاته من ذلك.
إذن من المهمات في البحث الإطلاع على الكتب ومعرفة شروحها أن ترتاد المكتبات العامة وتعرف ما في كل فن من الكتب.
المسألة الثالثة: أن الباحث لابد أن يحدد ما يريد، إذا كان يريد بحث مسألة لابد أن يتجه إليها تكون دائما نصب عينيه وهو يبحث، ثُم يعلم أن الكتب التي تبحث في أي فن من الفنون لها اتجاهات:
ففي التفسير ثَم مدارس: التفسير منقسم إلى مدرستين كبيرتين:
• مدرسة التفسير بالأثر.
• ومدرسة التفسير بالاجتهاد والرأي، ومدرسة التفسير بالاجتهاد والرأي تنقسم إلى أربع أو خمس مدارس وكل من هذه فيها مؤلفات.
إذا نظرت إلى اللغة: اللغة ثم فيها مصنفات وتختلف هذه المصنفات في قوتها وضعفها وفي الثقة بما فيها من غيرها في الاستشهاد.
كتب النحو مختلفة المدارس ثم ثلاث مدارس أو أربع مدارس في النحو معروفة:
مدرسة البصريين، والكوفيين، ومدرسة أهل الموصل ببغداد والمدرسة الأندلسية في النحو إلى غير ذلك.
فإذن وأنت تبحث هذه المسائل تطول عليك فلابد أن تكون محدَّدا في بحثك حتى تصل إلى الشيء؛ لأنك قد تجد أمامك بحرا متلاطما ووجود خلافات إلى آخره، فلا تدري من أين تبدأ وإلى أين تنتهي.
لهذا تكون المسألة محددة تعرف أولا تأتيها شيئا فشيئا، بمعنى أن تبدأ بالأيسر ثم تبدأ في التوسع، الأطول فالأطول، ولا تذهب إلى المطول ثم ترجع إلى المختصر.
يعني مثلا رجل طالب علم يبحث في تفسير كلمة فيها قراءات مثلا، أو يبحث في تفسير كلمة فيها لغة، يذهب إلى البحر المحيط، هذا بحث محيط عليه ما المناسب؟ يذهب إلى ابن كثير أقرب، إذن يذهب إلى أقل منه طيب.
فإذن من الأمور الجيدة للباحث في أول بحثه هي الوجهة التي توصله إلى المقصود حتى يتصور، ثم يتقدم في بحثه، نصل هنا في هذه المسألة إلى معرفة أنَّ الكتب نمت مع الزمان، نمت مع القرون ولهذا الخالف يأخذ من السالف، المتأخر يستفيد من المتقدم.
¥