وينقسم الإيمان إلى ثلاث مراتب، تشتمل كل مرتبة على بعض شعب الإيمان، بحيث تنتظم المراتب الثلاث جميع شُعب الإيمان، والمراتب الثلاث هى:
أ ــ أصل الإيمان: وهو مالا يوجد الإيمان بدونه، وبه النجاة من الكفر والدخول في الإيمان، وهو مطلق الإيمان، وصاحبه داخل في المخاطبين بقوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا)، وهو يشتمل على شُعَب ولا يصح إلا باكتمالها وهى:
على القلب: معرفة ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالا والتصديق به والانقياد له، كما يدخل في أصل الإيمان بعض أعمال القلب الأخرى كالمحبة والخشية والرضا والتسليم لله تعالى.
وعلى اللسان: الإقرار بالشهادتين.
وعلى الجوارح: أعمال الجوارح التي يكفر تاركها كالصلاة، وبقية المباني الخمسة عند بعض العلماء.
كما يدخل في أصل الإيمان ترك المُكَفِّرات، لقوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) البقرة 256.
وضابط ما يدخل في أصل الإيمان من أعمال (سواء كانت فعلاً أو تركاً): أن كل عمل يكفر تاركه ففعله من أصل الإيمان (كالتصديق والانقياد القلبي والإقرار باللسان والصلاة)، وكل عمل يكفر فاعله فتركه من أصل الإيمان (كالاستهزاء بالدين ودعاء غير الله)، وذلك لأن ضد أصل الإيمان هو الكفر.
ولما كان الكفر ضداً لأصل الإيمان، فإن كل ذنب مُكفِّر ــ من ترك واجب أو فعل مُحرم ــ فهو مُخِلٌ بأصل الإيمان. وكل من لم يأت بأصل الإيمان أو أخلّ به فهو كافر. وضابط الذنب المكفر هو ماقام الدليل الشرعي على أنه كفر أكبر.
ومن أتى بأصل الإيمان فقد نجا من الكفر ودخل الجنة لامحالة إما ابتداءً وإما مآلاً. فإن أتى بالإيمان الواجب كاملاً (وهو المرتبة الثانية) دخل الجنة ابتداءً. وإن قصّر في الإيمان الواجب وغفر الله له تقصيره دخل الجنة ابتداء، وإن لم يغفر الله له تقصيره في الإيمان الواجب دخل النار بقدر ذنوبه ثم يخرج منها بما معه من أصل الإيمان ليدخل الجنة مآلاً، كما دلّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لَيُصيبَنَّ أقواماً سفعٌ من النار بذنوب ٍ أصابوها عقوبةً، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم الجَهَنّميين) رواه البخاري عن أنس (7450). ودخولهم الجنة مآلاً إنما هو بما معهم من أصل الإيمان المضاد للكفر كما قال صلى الله عليه وسلم (حتى إذا فَرَغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يُخرج برحمته من أراد من أهل النار، أَمَرَ الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان لا يُشرك بالله شيئا ممن أراد أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود) الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة (7437) فخرجوا من النار بما معهم من أصل الإيمان ومن أهم شُعَبِه التي ذكرت في هذا الحديث: الإقرار بالشهادتين (ممن يشهد ..... ) والصلاة (بأثر السجود) وترك المكفِّرات (كان لايشرك بالله شيئا).
فمن أتى بأصل الإيمان دخل الجنة إما ابتداءً وإما مآلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك جبريل أتاني فقال: مَن مات مِن أمتك لايشرك بالله شيئا دخل الجنة) قال أبو ذر: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال صلى الله عليه وسلم (وإن زنى وإن سرق) الحديث رواه البخاري (6444) أي مصيره إلى الجنة.
ومن لم يأت بأصل الإيمان أو أخلّ به فهو كافر من أهل النار لايخرج منها كما قال تعالى (إن الذين كفروا لو أن لهم مافي الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتُقُبل منهم ولهم عذاب أليم، يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها، ولهم عذاب مقيم) المائدة 36 ــ 37.
فهذه المرتبة الأولى من مراتب الإيمان.
ب ــ المرتبة الثانية: الإيمان الواجب. وهو مازاد عن أصل الإيمان من فعل الواجبات وترك المحرمات.
وضابط مايدخل في الإيمان الواجب من أعمال (سواء كانت فعلاً أو تركاً): أن كل عمل ورد في تركه وعيد ولم يكفر تاركه ففعله من الإيمان الواجب (كالصدق والأمانة وبر الوالدين والجهاد الواجب)، وكل عمل ورد في فعله وعيد ولم يكفر فاعله فتركه من الإيمان الواجب (كالزنا والربا والسرقة وشرب الخمر والكذب والغيبة والنميمة).
¥