و هذا التأليف هو ليس إلا للعظماء، و به يذكرون، فما ترك محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلّم كتبا و لا مجلدات، و لا مخطوطات يتنافس عليها لصوص التراث لتحقيقها، أو بالأحرى لطمس جمالها، إنما خلّف لنا رجالا أعّدهم لحمل الأمانة و هي ثقيلة .. (و خلّف لهم كتابا من عند الله، و ما أصابنا الضعف الوهن إلا يوم بدأنا نعظّم الكلام البشري و ندع الكلام الربّاني) و من بعده سار العلماء على نهجه -صلوات ربي وسلامه عليه-، فما من عالم إلا و تجد له في التأليفين، و أذكّركم أن أجلّ كتاب ألّفه شيخ الإسلام بن تيمية ليس هو مجموع الفتاوى و لا منهاج السنة و لا غيرها من الكتب، إنما هو كتاب اسمه " شمس الدين بن القيم" تلميذه و وريث علمه، و حقاّ لو لم يكن له إلا هذا، لكفى به أن يغبطه عليه الأنبياء و الصالحون ..
و في عصرنا، عبّر عن هذا أمير البيان و علم المصلحين، نزيل تلمسان، محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله- بأحسن عبارة، تكتب بماء العيون، فقال:
" لم يتسع وقتي للتأليف و الكتابة مع هذه الجهود التي تأكل الأعمار أكلا، و لكنني أتسلى بأنني ألّفت للشعب رجالا، و عملت لتحرير عقوله تمهيدا لتحرير أجساده، و صححت له دينه و لغته فأصبح عربيا مسلما، و صحّحت له موازين إدراكه فأصبح إنسانا أبيا، و حسبي هذا مقرّبا من رضى الرب و رضى الشعب"
آنس من نفسي قوّة لأكتب على هذه الأسطر كتابا حافلا لدعاة الإصلاح أذكّرهم بما عليهم، فقلّ منهم من يعرف طريق ما يدعو إليه.
و إني ما أقرأ هذا إلا و أتحسّر أني لم أدركه، كتحسر طالب الحديث قديما، يخرج لطلب الإسناد العالي من بلد بعيدة، ثم يكون يوم موصله هو يوم جنازة من أراده، فما أحوجنا لخطيب بغدادي آخر يدوّن هذه الحسرات و ما أكثرها.
و لن أغالي إن قلت أني أعدّ نفسي من تأليفه، و لا زال يكتبني و ينقحني بن القيم، و يزيد عليه الشوكاني أحيانا، و يؤدّبني بن قتيبة، و كل هذا في جامعة العلم و الإسلام، حتى أخرج يوما من المذكرات، فأكون –بإذن الله- كتابا تطوى فيه الأعمار و لا تقضي عليه.
يموت الرجال الأفذاذ و لا يفنى إلا عنصرهم الترابي، أما أرواحهم فلا زالت بيننا تكتب و تخطب، تأمر و تنهى، ندعوها و نناجيها .. و غيرهم أموات في مقابر أجسادهم، غثاء كغثاء السيل.
ـ[زكي التلمساني]ــــــــ[08 - 07 - 07, 09:29 م]ـ
دعوة و رجاء:
إكراما لهذا الرجل الفذ، محمد البشير الإبراهيمي –رحمه الله- (و الذي يجهله الكثير من المشارقة، مع أنه بويع في القاهرة بإمرة البيان) و خدمةً لتراثه و أفكاره الإصلاحية و إبداعاته الأدبية، فإني أوجه رجاءا و دعوة لكل من عثر أو مرّت عليه أثارة تذكر هذا الرجل أن يفيدني بها (دراسة أكاديمية، مقالات له في جرائد قديمة، أو مقالات تتكلم عنه، لقاءات مع تلاميذه أو ممن عاصروه، شهادات، أو غيرها .. ) خاصّة في مصر و سوريا و غيرها من البلدان التي نزل إليها كتونس و العراق و الكويت و السعودية و كذا باكستان ..
و الدافع لهذا مع أن هناك من تكلّم عنه، إلا أني أرى أنّ الدراسات الأكاديمية قد هضمته، و ما عرفت له حقّه كما ينبغي، و الله المستعان، فعزمت أن أنبري لهذا العمل الجليل، و إحياءا لسنن المصلحين.
و آخر ما علمته أن المحدث الكبير: زهير الشاويش –حفظه الله- هو من تلاميذه، و قد كتب هذا في إجازاته لأحد الطلاب.
أما أحسن دراسة أدبية فكانت لأحد الباحثين من العراق، و هي بحوزتي، و هي بحق عمل قيّم، قد لا أزيد عليها إلا النزر اليسير.
أتأسّى ببعض أبياته في زمن الاغتراب.
يا طالب
(الآثار:367/ 3)
لا تأس بعد اليوم يا طالب **** فالعلم غال شأنه، غالب
أنت بعين الرعي في أمة **** قد جلب الخير لها جالب
تبوّأ الدار، و عذ بالحمى **** لا ضرّ بعد اليوم يا طالب
زكي التلمساني: لا كرب عليك بعد اليوم يا طالب.
فكن رجل العقيدة أو لا تكن.
ـ[زكي التلمساني]ــــــــ[08 - 07 - 07, 10:03 م]ـ
البيت الأول وقع هناك سقط و لم يسعفني الوقت لأتداركه:
لا تأس بعد اليوم يا طالب **** فالعلم غال شأنه، غالب
ـ[ابو عبد الرحمن الأندلسي]ــــــــ[08 - 07 - 07, 11:15 م]ـ
أخي الحبيب رفع الله قدرك في الدارين ..... أنظر هنا ربما تجد بعض ما تريده
http://way2soona.com/vb/showthread.php?t=24
فهناك بعض الكتب والمقالات عن هذا الطود العظيم ........
على فكرة ذكر لي عن الشيخ العلامة السلفي ابن باديس أنه سأل عن عدم تأليفه الكتب فقال .... شغلت عن تأليف الكتب بتأليف الرجال ...... رحمهم الله جميعا وجمعنا بهم في جناته
ـ[أبو علي الطيبي]ــــــــ[09 - 07 - 07, 12:46 ص]ـ
بارك الله فيكم جميعا، وفي مشاركاتك أخي زكي التلمساني ..
ولعلك تجد طريقة لمسح دراسة العراقي التي تحدثت عنها .. لتنفع بها إخوانك على الشبكة.
أما الشيخ زهير الشاويش، فإنه يروي عن الشيخ البشير .. لكني كنت أحب أن أعرف متى لقيه وأين استجازه؟؟ وكان حريا بالشيخ أن يفيد جامعي آثار الإمام الإبراهيمي بإجازة الإمام له، ليضموها إلى الآثار. فليس في الآثار إلا إجازة واحدة، في آخر الجزء الخامس.
[ QUOTE= زكي التلمساني;629248] [ CENTER][SIZE=5] و هذا التأليف هو ليس إلا للعظماء، و به يذكرون، فما ترك محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلّم كتبا و لا مجلدات، و لا مخطوطات يتنافس عليها لصوص التراث لتحقيقها، أو بالأحرى لطمس جمالها، إنما خلّف لنا رجالا أعّدهم لحمل الأمانة و هي ثقيلة
COLOR]"
حبذا لو راجعت ما كتبت .. أعني المعلَّم بالأحمر!!
¥