هذان صحابيان جليلان الحارث بن هشام المخزومي وعكرمة إبن أبي جهل رضي الله عنهما، قتلا في وقعة اليرموك وهما يتدافعان الماء كل واحد منهما يؤثربه صاحبه، فلما أثخنت الحارث الجراح، إستسقى الماء فأتي به اليه، ولماتناوله نظرإلى عكرمة صريعا في مثل حاله، فرد الإناءعلى الساقي وقال:امض إلى عكرمة، فمضى إليه فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتا، فرجع إلى عكرمة فوجده قد مات، فلم يشرب واحد منهم. أولائك آبائي فجئني بمثلهم ... ، رضي الله عنهم وأرضاهم.
إن من لم يصبر مع هذه المحن الأخويه صبر الكرام , سلاسلو البهائم، إن في الموت راحة للمؤمن من كل عناء، تدمع له العين ويحزن له القلب، وليس للمؤمن غاية معه إلا الصبر والاحتساب والرضى لقضاء الله وقدره، ولكن البلاء كل البلاء، موت الوفاء , وفقد الإخاء ,ووأد الموده، ثم لاتجد من يعزيك،أو يفطن لحالك فيواسيك.
وقبل أن أختم الحديث، فالعاقل من اتهم نفسه ,وظن بإخاوانه , وعرف أهل زمانه , وعلم علم اليقين أن مايرجوه من بني جنسه ماهو الاضرب من الخيال أو طلب للمحال، فلينعم بماقص علينا من أخبار السالفين،وليؤد للناس الذي لهم وليسأل الله الذي هو له، وفي الله خلف وعوض من كل شئ، وليلم نفسه قبل لوم ألآخرين.
لست الملوم أنا الملوم لأنني ... علقت آمالي بغير الخالق
وختاما: فلاتحسبن أن كتابنا هذا عنوان هجركم، أو أذان الأخلال بمودتكم، فماسطرناه للشكوى أو وصف البلوى، إذا لاحترقت أحرفه بين يديكم، لحرارة المشاعر، وتوارد الاحزان،واستعظام الموقف، ولاستعرتم مع أعينكم أعينا تسعفكم الدموع، فمازال للعتاب في ساحتكم موضع، وللاخوة من قلبكم مرتع، وإليها أوجه هذا الخطاب , فماهذا الكتاب إلا لهو أدبي، نطرد به مايعتري الخاطر من هموم وأعباء.
إذا كنت في كل الامور معاتبأ ... صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحدا أوصل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفومشاربه
ولعلي اذكرك بماقال أبو الفضل رحمه الله: قديوحش اللفظ وكله ود، ويكره الشئ وليس من فعله بد , هذه العرب تقول: لاأبا لك في الامر إذا أهم , وقاتله الله ولايريدون الذم، وويل أمه للأمر إذا تم، ولذوي الالباب أن ينظروا في القول إلى قائله، فأن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن. (بكلامه عنونت وبه ختمت)
وما أحسبني والله لك إلا وليا.
فسلام الله عليك ورحمته وبركاته، سلاما يتصل أمثاله بسمعك أبدا مابقيت.
ـ[ماجد العتيبي]ــــــــ[10 - 04 - 08, 10:11 م]ـ
الله أكبر ..
جُزيت خيراً يا أخِ
ـ[سليمان إبراهيم الأسعدي]ــــــــ[11 - 04 - 08, 05:33 م]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضل على هذه الرسالة العِتابية ـ بكسر العين ـ نفع الله بك.