ومواعظه، أو كتبه ورسائله ...
استقبلته مرة ليلقي محاضرة في إحدى المساجد وكان قادما من محافظة أخرى، وكان يوم
جمعة أصيلا، فسالته عن حاله وسفره، فقال للتو جئت من مسجد في القاهرة خطبت فيه
(وكنت أظن أن محاضرته عندنا هي الوحيدة)، وبعد الخطبة ألقى محاضرة!!!! وكان
موعده عندنا محاضرة في المساء بعد صلاة المغرب حتى العشاء، وغالبا ما تستمر المحاضرة
حتى قريب من منتصف الليل ...
كان هذا برنامجه كل يوم تقريبا ... في بداية التسعينات حيث كانت الدعوة متاحة بقدر كبير
في القطر المصري ..
استنفد الشيخ سيد صوته في الخطابة والوعظ والمحاضرات، حتى أنذره الطبيب بضرورة
التوقف عن الخطابة والتدريس، وقد أخبرني بهذا الخبر وعينه تدمع، وقال لي: أمثالنا
ليس لهم خيار ... حتى لو ضاع صوتنا فلن نستطيع التوقف والسكوت!!! واستمر رحمه الله
في الخطابة حتى كانت بح صوته وانقطع نفسه، وتدهورت صحته، فاضطر للراحة برهة،
وما أن عاد إليه بعض صوته عاود ما كان عليه ...
كان يجوب المحافظات كلها ...
يخطب ويعظ ويحاضر، ينشيء الأجيال، يربي القادة، يوجه المسئولين عن الدعوة، يحل
مشكلات الدعاة مع بضعهم البعض، ينبه وينوه، ينصح ويقوم، بل يساعد المحتاجين،
وأياديه البيضاء على فقراء طلبة العلم لا ينكرها أحد.
عرفه طلبة الجامعات من الجيل الأول .. وحتى الجيل المعاصر ... ما من جامعة في مصر
إلا وله فيها جولة، وبين جنباتها له صرخة وصولة ...
إذا أعلن في القاهرة عن خطبة له توافدت الجموع الغفيرة، والألوف الكثيرة، تمني نفسها
مجلسا يذكرها بالسلف الصالح ...
والذي قرأ ما أسلفنا يظن الشيخ العفاني بعافية تامة، وصحة كاملة، وليس ذلك كذلك، فجسده
قد أنهكته أمراض مزمنة، وضعف جسمه خلقة يجعل كل من يراه يجزم أن هذا الرجل يسير
ويمضي برعاية الله وكلاءته ...
ومع كل جهوده وسعيه في الدعوة والنذارة في أرجاء القطر المصري، كان يحفظه الله نهم
القراءة، ما وجدناه يوما خاوي اليدين، بل إما تحمل كيسا مليئا بالكتب الجديدة، أو حقيقة
ملأها بالكتب والأوراق التي يقرأها في السفر ويقيد ما يحتاجه في محاضراته ولمؤلفاته.
صنف الكثير ... وما كتبه ولم يخرج إلى عالم الطباعة أكثر ...
كتبه واحة غناء ... تربى على معينها الكثير من الدعاة وطلبة العلم بل وقادة الحركة في مصر
وخارجها ... إذا كتب في مسألة أوفاها، فكنا نقول: شرط الشيخ ألا يصنف مصنفا أقل من
مجلدين ... وكان كذلك في غالب كتبه ...
مؤلفاته ترى فيها حس القائد، ونبرة الرائد، تريك هموم الأمة، وتنبيك بعلو الهمة، يؤلف
ليربي في الأمة جيل النصر المنشود، ألف رهبان الليل، ليحيي في هذا الجيل ما كان سمة
من سمات السلف الصالح وهو قيام الليل، ثم ألف فرسان النهار (وما أدري طبع أم لا)
لينبه على دور الجهاد في جيل النصر المنشود.
كانت مؤلفاته صياغة للشخصية الإسلامية في العصر الحديث، تمسك فيها بخاتم السلف،
وحرص على دلهم وسمتهم طريقا ومنهاجا ...
أما علاقته بالدعاة والقادة والعلماء فنموذج للتواضع وخفض الجناح، ما قابل أحد إلا
ذل له وألان، إذا تكلم تبسم، ولا يرى مغضبا أو عابسا إلا إذا حدثته أو تحدث هو عن
هم من هموم المسلمين ...
على السجية تراه دائما ... لا يخادع ولا يخاتل، لا يوري ولا يعرض، ما يعتقده ينطق
به صريحا، لا خفاء ولا التباس ... يصلح بين الدعاة، ويسعى في وأد الفتنة بينهم،
يحاول تجميع الصف، وتوحيد الراية، شعاره (أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها).
دخلت بيته مرة، فما رايت شيئا إلا الكتب ... إذا وضعت يدك لتتكيء فسيصدمك كتاب
وإن رفعت رأسك أو خفضته فلن تخطيء عينك الأرفف التي وضع عليها الكتب ...
أوذي وامتحن، من الأقربين والأبعدين، فصبر وثبت، فعوضه الله خيرا مما كان،
كيف لا، فمن كان في الله تلفه كان على الله خلفه ...
نفسه مطمئنة، كأنك ترى رجلا من أهل الجنة، أو كأنك تقول وهل مثل هذا يعذبه الله؟
نحسبه كذلك والله حسيبه، ونسأل الله تعالى أن يجعله خيرا مما نظن، وأن يعلي قدره
ويرفع ذكره، ويحفظ شأنه ...
هذا بعض ما نعرفه من سيرة الشيخ، ولم نلازمه طويلا، ولكن خالطناه كثيرا، وعاملناه
جما غفيرا، وسبرنا معدنه فوجدناه معيار المعادن الأصيلة، وحقيقة الجواهر النبيلة، فكيف
لو سرد لكم الأقربون ما يعرفون من عاطر سيرته، وجميل شمائله ومناقبه ... هذا ونسأل الله
تعالى أن يجعل في الشيخ توفيقه ومعونته ليكون جندا من جنده يعلي شأنا الإسلام
والمسلمين ... والله يتولى الصالحين ...
تمت
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[14 - 03 - 05, 04:21 ص]ـ
من تواضع الشيخ حفظه الله
كنت أتجول في معرض القاهرة الدولي للكتاب العام الماضي , فإذا برجل بسيط الهيئة في ثوبه ونعله لا يرى عليه أثر تكلف وحوله مجموعة من الشباب , فسلمت عليه - وكنت مرتديا الزي الأزهري- فلما صافحني بادرني فقبل يدي , فإذا هو الشيخ العلامة الأديب الشاعر الورع الزاهد الطبيب سيد بن حسين العفاني حفظه الله 0
ملحوظة: مما فات شيخنا رضا أحمد صمدي حفظه الله الإشارةإلى شيوخه
تتلمذ الشيخ على شيوخ الدعوة السلفية المعاصرين كأبي إسحاق وسعيد عبدالعظيم وسيد الغباشي
لكن شيخه الذي إليه ينسب فهو الشيخ المحقق المدقق محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله وجميع من ذكر من أفاضل أهل العلم 0
أما عن ميلاد الشيخ فلا أعلم تاريخه وإن تيسر لي وضعته إن شاء الله 0
¥