ثم جاء البخاري فرأى إفراد الحديث الصحيح، ورتبه على الأبواب الفقهية لتسهيل الوصول إليه. وجاء بقية الستة وهم - ما عدا النسائي- من تلامذته، فوضعوا كتبهم على الأبواب الفقهية، ولم يشترطوا الصحة.
وهكذا كان لمدرسة الإمام البخاري الفضل العظيم على السنة بما صنفت في رواية الحديث وفي علومه.
ثم جاء بعدهم ابن خزيمة، ثم ابن حبان.
وفي هذا العصر أصبح كل نوع من أنواع الحديث علما خاصا، مثل: علم الحديث الصحيح، علم المرسل، علم الأسماء والكنى، وهكذا فأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص.
لكن لم يوجد في هذا الدور أبحاث تضم قواعد هذه العلوم وتذكر ضوابط تلك الاصطلاحات، اعتمادا منهم على حفظهم وإحاطتهم بها سوى تأليف صغير هو كتاب:
((العلل الصغير)) للأمام الترمذي.
الدور الرابع: عصر التآليف الجامعة وانبثاق فن علوم الحديث مدونا:
ويمتد من منتصف القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع ألب العلماء في هذه الفترة على تصانيف السابقين التي كانت تجربة أولى في التدوين، فجمعوا ما تفرق في مؤلفات الفن الواحد. واستدركوا ما فات السابقين، معتمدين في كل ذلك على نقل المعلومات عن العلماء بالسند إليهم كما فعل سابقوهم، ثم التعليق عليها والاستنباط منها.
فوجدت كتب في علوم الحديث لا تزال مرجعاً لا يُستغنى عنها، ومن أهمها:
1. ((المحدث الفاصل بين الراوي والواعي)) ألفه القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد تصغير الخط (360هـ) استوفى فيه مؤلفه البحث في آداب الراوي والمحدث وطرق التحمل والأداء.
2. ((الكفاية في علم الرواية)) لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى (463هـ) استوفى فيه البحث في قوانين الرواية، وأبان فيها أصولها وقواعدها الكلية.
2. ((الإلماع في أصول الرواية والسماع)) للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى (544هـ).
فهذه المراجع وسواها مما صنفت في ذلك العصر في كل نوع من أنواع علوم الحديث، أصبحت المراجع الأصلية في هذه الفنون.
وفي هذا الدور وضعت التآليف الجامعية لأنواع الحديث ونما التدوين في فن علوم الحديث. ومن أهم ما صنف في ذلك:
((معرفة علوم الحديث)) لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى (405هـ).
((المستخرج)) لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى (430 هـ).
الدور الخامس: دور النضج والاكتمال في تدوين فن علوم الحديث:
وذلك من القرن السابع إلى القرن العاشر، وفيه بلغ التصنيف لهذا العلم كماله التام، فوضعت مؤلفات استوفت أنواع هذا العلم.
وكان رائد هذا التحول العظيم في تدوين هذا الفن الإمام المحدث الحافظ أبو عمرو عثمان بن الصلاح المتوفى (643هـ)، في كتابه المشهور ((علوم الحديث)).
ومن أهم المؤلفات في هذا الدور بعد ((علوم الحديث)).
1. ((الإرشاد)) للإمام يحيى بن شرف النووي المتوفى (676 هـ) لخص فيه كتاب ابن الصلاح، ثم لخصه في كتاب: ((التقريب والتيسير لأحاديث البشير النذير)).
2. ((التبصرة والتذكرة)) منظومة من ألف بيت للإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى (806 هـ) ضمنها كتاب ابن الصلاح وتعقبه، وزاد عليه مسائل نافعة، ثم شرحها شرحاً قيماً سماه: " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث".
3. شرح الحافظ العراقي أيضاً لكتاب ابن الصلاح المسمى: ((التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح)).
4.شرح الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى (852هـ) على كتاب ابن الصلاح المسمى: ((النكت على كتاب ابن صلاح)).
5. ((فتح المغيث شرح ألفية العراقي في علم الحديث)) للحافظ شمس الدين محمد السخاوي المتوفى (902 هـ).
6. ((تدريب الراوي شرح تقريب النواوي)) للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى (911 هـ).
7. ((نخبة الفكر)) وشرحه: ((نزهة النظر)) كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلاني.
الدور السادس: عصر الركود والجمود:
وقد امتد ذلك من القرن العاشر إلى مطلع القرن الهجري الحالي.
في هذا الدور توقف الاجتهاد في مسائل العلم والابتكار في التصنيف، وكثرت المختصرات في علوم الحديث.
ومن المؤلفات في هذا الدور:
1. ((شرح شرح نخبة الفكر)) للشيخ على بن سلطان الهروي القاري المتوفى (1014هـ): لم يخل من فوائد في أبحاثه لغزارة علم مؤلفه.
2. ((المنظومة البيقونية)) لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني المتوفى (108 هـ).
3. ((توضيح الأفكار)) لمحمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى (1182 هـ) وهو كتاب حافل مفيد.
4. توجيه النظر وظفر الأماني ومقدمة في علوم الحديث.
الدور السابع: دور اليقظة والتنبه في هذا العصر:
من مطلع القرن الهجري الحالي إلى وقتنا هذا، وفيه تنبهت الأمة للأخطار المحدقة نتيجة اتصال العالم الإسلامي بالشرق والغرب.
ومن المؤلفات النافعة المبتكرة نذكر ما يلي:
1. "قواعد التحديث" للشيخ جمال الدين القاسمي.
2. "مفتاح السنة" أو ((تاريخ فنون الحديث)) لعبد العزيز الخولي.
3. "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" للدكتور مصطفى السباعي.
4. "الحديث والمحدثون" للدكتور محمد محمد أبو زهو.
5. "المنهج الحديث في علوم الحديث" للدكتور محمد محمد السماحي.
6. "منهج النقد في علوم الحديث" للعتر.
7. "منهج النقد عند المحدثين" للأعظمي.
- أنواع علوم الحديث:
· علوم رواة الحديث.
· علوم رواية الحديث.
· علوم الحديث من حيث القبول والرد.
· علوم المتن.
· علوم السند.
· العلوم المشتركة بين المتن والسند (1).
(1) انتهى باختصار من كتاب منهج النقد في علوم الحديث.