أولاً: القول بأن الشخص صفة لله، و المنازعة في ذلك من غرائب العلم وعجائب المسائل، وأعجبُ من ذلك دعوى الإجماع، وهم عاجزون عن نسبة ذلك إلى عالم معتبر، والأحاديث ظاهرة في إثبات هذه الصفة لله تعالى ولا يخالف في ذلك أحد من أهل السنة، قال المغيرة بن شعبة عن النبي قال (لا شخص أغير من الله) الحديث رواه أحمد ومسلم في صحيحه وقال البخاري في صحيحه (باب قول النبي لا شخص أغير من الله) وقال عبيد الله بن عمر عن عبد الملك (لا شخص أغير من الله.
وقال القواريري، " ليس حديث أشد على الجهمية من هذا الحديث .. ".
وفي حديث لقيط بن عامر قال النبي (فتنظرون إليه وينظر إليكم) قال لقيط وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه .. الحديث.
ورواه ابن خزيمة وعبد الله بن الإمام أحمد وصححه ابن مندة وقال " لا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة " وصححه ابن القيم، وهو ظاهر في إثبات صفة الشخص لله تعالى، وبينت ذلك بأكثر من هذا في كتابي إتحاف أهل الفضل والإنصاف بنقض كتاب ابن الجوزي دفع شبه التشبيه وتعليقات السقاف، وكتابي الآخر القول المبين في إثبات الصورة لرب العالمين.
ثانياً: القول بطهارة دم الإنسان وطهارة الخمر، فقد قلت بذلك لأنه لم يثبت دليل على نجاستهما، والأصل في المياه الطهارة حتى يثبت دليل على خلاف ذلك.
أما نجاسة الخمر، فقد ظن بعض الأخوة وجود إجماع على ذلك، والأمر ليس كذلك، فقد ذهب إلى طهارتها، ابن سيرين والليث بن سعد واختاره كثير من المتأخرين وهو الصحيح، لأنه الأصل ولا يجوز العدول عن ذلك بدون دليل.
ثالثاً: القول بجواز قراءة الجنب للقرآن، وغاية ما في هذه المسألة أن يذهب الجمهور إلى منع الجنب من قراءة القرآن وهذا ليس بإجماع بالاتفاق، والعلم ليس محصوراً بآراء الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الفقهاء السبعة.
وقد ذهب ابن عباس إلى جواز قراءة الجنب للقرآن رواه البخاري معلقاً، وهو قول سعيد بن المسيب رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه وسنده صحيح، وقول سعيد بن جبير ورجحه داود والطبري وابن حزم وابن المنذر وروي عن مالك وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه، وقد كتبت في ذلك رسالة مطبوعة في مجلة الحكمة العدد الخامس.
رابعاً: القول بعدم وجوب الدم على من ترك واجباً أو فعل محظوراً، فإن القول بوجوب الدم لم يقم عليه إجماع، والأصل براءة الذمة وأموال المسلمين معصومة بعصمة دمائهم فلا يجب منها شيء إلا بدليل وهذا قول ابن حزم ونصره الشوكاني وغيره.
وقد دل الدليل على وجوب الدم أو ما ينوب عنه في خمسة مواضع دون ما عداها وهي:
1 - فدية حلق الرأس وهي على التخيير.
2 - دم الإحصار لعدو أو مرض.
3 - فدية الوطء قبل التحلل الأول ثبت القول بهذا عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو ونقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وابن عبد البر والقرطبي وابن قدامة والنووي وغيرهم.
4 - جزاء قتل صيد البر للمحرم.
5 - دم التمتع والقران.
فهذه هي مواضع إيجاب الدم ولا أقول بغيرها، ولي رسالة مطولة في ذلك بسطت القول في هذه المسألة و أوردت بضعة عشر دليلاً عليها.
خامساً: القول بجواز التحلل برمي جمرة العقبة، وهذا قول أكابر أهل العلم وهو أحد القولين عن عمر بن الخطاب ودعوى الإجماع على التحلل باثنين من ثلاثة غلط اتفاقاً.
فقد قال مالك وأبو ثور وعطاء إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء، قال الإمام ابن خزيمة وهو الصحيح، ورجحه ابن قدامة في المغني. وعلى كل حال فإني لا أعلم مسألة تفردت بها عن الأمة ولا خالفت فيها إجماعاً صحيحاً، لكنني أبحث عن الحق والدليل، فإذا لاح لي دليل صحيح لم يكن بُدّ من القول به، وإن لم يذهب إليه إلا نفر يسير من أهل العلم، وإن أمة وقوماً لا يذهبون إلى الدليل ويؤثرون الدعة والتقليد تهيباً من العامة والدهماء أو استيحاشاً من التفرد عن الجمهور لقوم محرومون، فالأصل في العالم أن يقول الحق الذي يعلمه ووصل إليه اجتهاده.
وبعد كل هذا فإني أعترف بالتقصير ومهما بذلتُ وسعي واجتهادي فأنا عرضة للخطأ، وأنا أرجع إلى الحق في كل شيء يبلغني دليله، وأستغفر الله وأتوب إليه فيما أخطأت فيه، فغايتي من القول بهذه المسائل وغيرها مما لم أذكره حماية الحق ومعرفة الصواب، والعلم عند الله.
سجن الشيخ:
يقول الشيخ: سجنت بسبب رسالة كتبتها في بدعية الاحتفالات المقامة لتخريج حفظة القرآن الكريم، فقد كانت وجهة نظري آنذاك أن هذا العمل لم يكن معروفاً في عصر النبي ولا عصر صحابته ولا فعله أحد من أئمة التابعين ولا الأئمة الأربعة على أنه انعقد سببه وقام مقتضاه في عصرهم، وليس ثمّ مانع يحول بينهم وبين فعله وقد قال النبي (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق عليه من حديث عائشة، ومن قواعد أهل العلم وتقريرات الأصوليين أن ما تركه رسول الله وأصحابه من العبادات في حين وجود المقتضى للفعل وانتفاء المانع فهو بدعة، وهذا مجرد اجتهاد قلته في حينه وقاله غيري، وهو أمر لا يستحق التهويل والتضخيم والسعي بذلك إلى السلاطين للنيل من طلبة العلم والمجتهدين، فلا يزال أهل العلم يختلفون فيما هو أعظم من ذلك ولا يعتدي بعضهم على بعض، ولكنه أمر مضى فلا أُحب إعادة ذكرياته وملابساته وما جرى في ذاك الوقت، وقد جعلت المتسبب في ذلك في حل مني، والله المسؤول أن يعفو عن الجميع ويؤلف بين قلوبهم، وكان مع الشيخ في هذه القضية بعض الإخوان فقبض عليهم، وأودعوا السجن في الرياض لمدة ثمانية عشر يوماً وكان ذلك في آخر شهر ذي الحجة من عام 1407هـ.
¥