المبحث الثالث: إذا سقط خيار أَحَد المتبايعين بَقِيَ خِيَار الآخر لِقوله: ((أو يُخَيِّر أحدهما صاحبه)) ((أو يخير أحدهما الآخر)) أي يَجْعَل الخيار له فقط دون الآخر.
كأن يقول البائع أنا أبيعك البيت على أن خيار المجلس لي أنا فقط.
أو يقول المشتري أنا أشتري منك البيت وخيار المجلس لي أنا فقط ولا خيار لك، هذا جائز، لماذا، نقول لأنه قد أَسْقَطَ حَقاً جعله الشارع له فجاز.
المبحث الرابع: إذا أسقط المتبايعان خيار المجلس بعد العقد، أو شرطا أَن لا خيار بينهما صح وَلَزِمَ البيع بِمُجَرَّد العقد لأن الحق لهما في خيار المجلس وقد أسقطاه فدل على أن خيار المجلس ينقطع بهذين الأمرين.
لأن الشارع جعل لهما الخيار وأسقطاه برضاهما فسقط.
كذلك لو شرطا أن لا خيار بينهما صح، لكم متى يلزم البيع؟. لَزِمَ البيع بمجرد العقد.
المبحث الخامس: قال العلماء تَحْرُم الفُرْقَة من المجلس خَشْيَةَ الاستِقَالة لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ في حديث عمرو بن شعيب: ((ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)).
فإن قال قائل: ما الجواب عن فعل ابن عمر فيما رواه مسلم عنه من أنه (كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يُقِيلَه قام فمشى هُنَيَّة ثم رجع إليه).
فيقال في الجواب: هذا اجتهاد منه _ رضي الله عنه _؛ مدفوع بالحديث المتقدم، وَيُحْمَل على أنه لم يبلغه الخبر؛ إذا لو بلغه لكان أول الناس عملاً به لكمال وَرَعه _ رضي الله عنه _.
وقد عرفنا _ بحمد الله _ ما يتعلق بالأحكام المتعلقة بخيار المجلس.
يُستفاد من هذين الحديثين فَوائِد:
1. منها إثباتُ خيار المجلس.
2. ومنها حكمة الشَّارع في إثبات خيار المجلس، وذلك أن الإنسان قبل أن تَقَعَ السِّلْعَة في يَدِهِ؛ تكون له رَغْبَة في تَمَلُّكِهَا فإذا وَقَعَت في يَدِهِ قَلَّت الرَّغبَة التي كانت عنده قبل ذلك فَجَعَل الشَّارِع لهُ خِيار.
3. ومن فوائد الحديث: أن المراد بالتَّفَرُّق بالمجلس تَفَرُّقَ الأَبدَان، وكان بعضهم يسمي خيار المجلس بخيار الأَبدَان.
إذا كانا مجتمعين في مكان واحد فهذا ظاهر، وأما إذا كان البيع عن طريق الهَاتِف فالمُعْتَبَر على القول الصحيح التَّفَرُّق بالأقوال، وَأَنَّهُ إذا قال: (بِعتُ) ثم قال المشتري: (قَبِلت) ثم انقطع الاتصال فقد تَمَّ العَقدُ ولا خِيَار حتى لو تَشَاغَلا أَثْنَاءَ المُكَالمَة بأمر لا يَتَعَلَّق بالبيع، يعني كَأَن يَعْقِد مَعَهُ صَفْقَة تِجَارِيَّة عن طريق الهاتف، ثم بعد ذلك يَنْقَطِع الكَلام عَن البَيْع ثم يسأله عن الأَسعَار ويسأله عن حَاله وعن أولاده ثم تَنْقَطِع المكالمة نقول: انقطع الخيار، مادام انقطع الاتصال بينهما فلا خيار.
إذا نقول: العِبْرَة إذا كان البيع عن طريق الهاتف التَّفَرُّق بالأقوال على القول الراجح، والمسألة فيها خِلاف.
4. ومن فوائد الحديث: أن الصِّدقَ والبَيَان سَبَبٌ لِحُلُولِِ البركة في المَبِيع لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ في حديث حَكيم بن حِزام: ((إِنْ صَدَقا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا)) يعني صدق البائع في إخبار المشتري بالثمن، وَبَيَّنَ العَيبَ الذي يَعْلَمُهُ، وَصَدَق المشتري في قَدْرِ الثمن وَعَدِم بَخْسِ شيء منه.
5. ومن فوائد الحديث: أَنّ الكذب والكِتْمَان سبب لِمَحْقِ بركة البيع لقوله _ صلى الله عليه وسلم _: ((فإن كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَت بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)) تُنْزَعُ البركة؛ فلا يكون في هذا الذي اشتُرِي ولا الذي بِيع، فَرْبّمَا يَتْلَفُ عِندَ المشتري وَرُبَّمَا لا يستفيد البائع من الثمن، المهم أن الله ينزع البركة عن الثمن، وعن السلعة التي استلمها المشتري وهو المُثْمَن.
واعلَم أن الكَذِبَ إِمَّا أن يكون في الثَّمَن، وِإمَّا أَن يَكون في صِفَةِ المَبِيع.
• في الثمن مثلاً لا يَصْدُق، يحلف بالله أَيْمَاناً أنه قد اشتراها بخمسين وهو في الواقع كاذب، قد اشتراها بأقل من ذلك.
• أو في صِفَة المبيع يقول: هذا جَيِّد مثلاً صفته كذا وكذا وهو كاذب في ذلك.
والكِتْمَان إِخفَاء عَيْب السّلعة أو الثَّمَن كأن يُنْقص الثمن المشتري أو يخفي _ أعني البائع _ عَيْبَ السِّلعة وهو يَعْلَمُه.
¥