تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأئمة على من انتحله ولا يغرنك انتساب أولئك إلى الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى فإنهم عند التحقيق لم يسلكوا مسلكه ولم يفهموا مرامه لأن هذا الإمام تصدى أولا للرد على المعتزلة بعد أن كان منهم وصاحب البيت أدرى بالذي فيه يكون فسلك في الرد عليهم مسلك فن الجدل وأخذ يقطع عليهم الطريق بأي وجه كان ويزيف مقالاتهم بأي واسطة كانت كما هو شأن فن الجدل الذي قصارى أمره غلبة الخصم بأي وجه وبأي طريقة كانت وكثيرا ما يحتاج المجادل في غلبة خصمه إلى السفسطة بل إلى إبراز المستحيل في صورة الجائز والجائز في صورة الواجب ثم إنه في آخر أمره ألف كتابه المسمى بالإبانة فأبان بها مذهب أهل الحق وباح باعتقاده ولما كانت خصومه من الدهاء والفطنة بدرجة لا تنكر وكان لهم في دولتهم مكانة ولم يطيقوا مدافعة الإمام عمدوا من بعده إلى كتبه فالتقطوا منها ما قاله في مقام المدافعة ولم تكن من عقيدته مما يقرب من نحلتهم ودونوا ذلك وجعلوه مذهبا منسوبا إليه ثم أخذوا يثبتون ما ادعوا أنه من معتقده بما ألفوه من أدلتهم ثم أتى من بعدهم فدس فيه قواعد الفلاسفة وقواها بأدلتهم حتى أصبح ما نسب إليه من جنس ما يذكر في العلم المسمى عند أولئك بالإلهي لا فرق بينه وبينه ثم جاء من بعدهم ممن شأنه التقليد الأعمى والتقليد يبعد عن الحق ويروج الباطل فاعتقد بأن تلك النتف وتلك المفتراة هي مذهب الإمام الأشعري فأخذها قضية مسلمة وتلقى أدلتها بالقبول فمنهم من اختصرها ومنهم من نظمها ومنهم من شرحها ولو أبصر الأشعري ما نسبوه إليه لتبرأ منه ولقال لهم أخطأتم المرمى وما الغي منكم ببعيد ألم تروا كتابي الإبانة الذي هو آخر مؤلفاتي ألم تعلموا مقاصدي في مسالكي في الرد على خصومي والحق يقال إن الأشعري أجل من أن تنسب تلك المفتريات إليه ولقد تنبه لذلك جماعة من العلماء فتبعوا مذهبه الحق وهو ما كان عليه السلف ولولا خوف الملل لذكرتهم واحدا بعد واحد ولكن أقول أجلهم إمام الحرمين ومن رأى كلامه في آخر عمره يعلم يقينا أنه رجع عن جميع ما كان حيث قال:

نهاية إقدام العقول عقال

وممن صرح بذلك السنوسي صاحب العقيدة المشهورة بين المدعين بأنهم أشاعرة فإنه نادى بذلك علنا في شرح له كما تقدم ذلك أول الكتاب وتبع الأشعري الحقيقي لا الأشعري الوهمي الذي ليس له وجود في الخارج وأنت أيها المؤيد بنور الحق إذا رأيت كتب الذين يزعمون أنهم أشاعرة رأيتهم على مذهب أرسطاطاليس ليس ومن تبعه كابن سينا والفارابي ورأيت كتبهم عنوانها علم التوحيد وباطنها النوع المسمى بالإلهي من الفلسفة وإذا كنت في ريب مما قلناه والكلام فانظر المواقف لعضد الدين الآيجي وشرحه للسيد الجرجاني وما عليه من الحواشي ثم تأمل كتاب الإشارات وكتاب الشفا لابن سينا وشروح الأول فإنك تجد الكل من واد واحد لا فرق بينهما إلا بالتصريح باسم المعتزلة والجبرية وغيرهما فهل يؤخذ توحيد من هذه الكتب إلا بعد الوقوع بألف ورطة ثم إن سلم السالك من هذه الطامات ظفر بتوحيد من جنس توحيد الفلاسفة والملاحدة ومثل هذا حال المشتغل بالطوالع والمطالع وشروحهما وحواشيهما وما أشبههما لطالما أشغلنا بهذه الكتب فلم نر فيها إلا أن أصحابها فتحوا على أنفسهم أبواب شبهات عجزوا عن سدها فأخذوا في إقناع أنفسهم وكلما أغلقوا منها بابا انفتحت لهم أبواب فأطالوا ذيول الكلام وكتبوا المجلدات ثم ألزموا الناس بها وأنفسهم لم ينالوا منها هدى فكيف غيرهم يهتدي بها على أنهم لو أعطوا عمر نوح وملأوا الدنيا كتبا يبحثون بها عن الهدى لم يجدوه إلا في الكتاب والسنة والرجوع إلى عقيدة السلف فكن عليها أيها الناصح لنفسه من أول الأمر ولا تطوح بنفسك في تلك الأودية فتهلك وإني لك الناصح الأمين والله يتولى هداك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير