ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[14 - 01 - 08, 05:48 م]ـ
القراءة النافعة
محمد بن إبراهيم الحمد
القراءة غذاءٌ للعقل، ورفعٌ للجهل، وتوسيعٌ للمدارك، وإمتاعٌ للنفس.
وكثيراً ما يحصل التساؤل عن كيفية القراءة النافعة، وسبل تحصيلها.
وهناك أمورٌ كثيرةٌ تعين على محبة القراءة، وجعلها نافعة، ومما يحضر في هذا المقام ما يلي:
1 - استحضار قيمة الزمن وأنه محدود: قال الله - عز وجل - منوهاً بالوقت: (وَالضُّحَى) وقال: (وَالْعَصْرِ) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه .. " الحديث.
فإذا كان الأمر كذلك وجب أن يُحَافظ عليه، وأن يُستَعمل خير استعمال.
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته فلا يضيع وقته في غير قربه، ويقدم الأفضل فالأفضل في القول والعمل".
والعرب تقول في أمثالها: "إسر وقمرٌ لك": أي اغتنم ضوء القمر مادام طالعاً؛ فسرْ فيه.
ومما ينسب للإمام الشافعي - رحمه الله - قوله:
إذا هجع النوام أسبلت عبرتي وأنشدت بيتاً وهو من ألطف الشعر
أليس من الخسران أن ii ليالياً تمر بلا علم وتحسب من ii عمري
ولا ريب أن القراءة النافعة من خير ما تعمر به الأوقات.
2 - تحديد الهدف: فالقراءة فن، ومن أعظم ما يعين عليها تحديد الهدف، وما أضيع زمن قارئ لا يحدد هدفه؛ فالقراءة لا توزن بكثرتها، ولا بطول وقتها، وإنما توزن بدقتها وقيمتها؛ فالقراءة الصحيحة الممتعة قراءةٌ حُدِّد غرضها، وغاياتها؛ فيعرف القارئ ماذا يقرأ؟ ولماذا يقرأ؟ وكيف يقرأ قراءة يشعر معها أن موقفه مما يقرأ كموقفه مع الصديق؛ فلينظر إلى من يقرأ كما ينظر إلى من يصادق؛ فتحديد الهدف - إذاً - يوفر الكثير من الزمن، ويورث الفائدة والمتعة؛ فدراسة مسألة خاصة، أو بحث موضوع معين مما يخدم الغرض، وينمي المعارف، كل ذلك داخلٌ في القراءة النافعة.
وكلما زادت قيمة الهدف زادت إثارته لصاحبه، وكلما زاد سمو الهدف زاد سمو صاحبه؛ فحدد هدفك، وسِرْ إليه ولو ببطء وستصل - بإذن الله - ولو كان صعب المنال، بعيد المرتقى.
3 - معرفة كيفية البدء: وهذه المسألة من أشق المسائل؛ فكم من الزمن ما يذهب سدى في التفكير في ذلك.
أضف إلى أن بدء الشيء صعب من جهة قلة المران والممارسة، أو لأن الإنسان ينتقل من راحة لذيذة إلى عمل شاق أو جديد.
وعلاج هذا بأمور عديدة أهمها الاستعانة بالله، والاستشارة، والاستخارة إن استدعى الأمر ذلك.
ثم يفكر قبل العمل في أولى الأشياء بالبدء، ويدرس وجوه الترجيح ثم يرتب ما يليه وهكذا ...
وبعد ذلك يعزم عزماً قوياً لا يشوبه تردد.
وإذا رأى في نفسه انصرافاً فليقرأ ما يفيده، ويقوي عزمه كأن يقرأ فصلاً من كتاب يشجعه على العمل، وأن يستحضر نتائج الجد والكسل، وأن يتذكر أشخاصاً جدوا فنبغوا في الحياة وهكذا ...
فإذا بدأ - ولو كانت البداية ضعيفة - فإنه قد قطع شوطاً بعيداً للنجاح؛ لأن البدء سيحيي روحه ويبعث همته، ويقوده إلى المزيد من الجد.
وبعد ذلك عليه أن يستمر ويواصل في المسيرة؛ فالعمل - وإن كان صعباً شاقاً في البداية - يصبح سهلاً مع طول المثابرة والاستمرار؛ فإن استمرارك على تنفيذ عزمك ومواصلة مسيرتك - يكسبك القوة ويورثك التغلب على ميولك السابقة، بل سترى أن عادة امتلاك النفس قد تأصلت فيك.
4 - تقييد الفوائد: وذلك بأن تضع لك سَجِلاً أوكُنَّاشةً تقيد فيها نفيس ما تقرأه، أو أن تضع الفوائد في الصفحات الأولى من الكتاب الذي تقرؤه.
5 - فهرسة الفوائد: فيحسن الأخذ بهذه الطريقة أحياناً خصوصاً عند قراءة المطولات؛ فيعمد القارئ إلى استخلاص الفوائد والشوارد، فيضعها في دفترٍ خاص، ثم يرتبها ويصنفها حسب فنون العلم؛ لأن الكتب الطويلة، أو الموسوعية ككتب التراجم، أو الشروح، أو السير، أو التواريخ – غالباً ما تحتوي على فنون شتى؛ فيحسن - إذاً - أن تُصَنَّف الفوائد المختارة حسب الفنون؛ فإذا مر بالقارئ – على سبيل المثال – فائدةٌ في التفسير، أو الحديث، أو العقيدة، أو اللغة عموماً، أو النحو، أو البلاغة، أو غير ذلك - وضعها في مكانها المناسب حاملةً الجزء ورقم الصفحة، وهكذا ...
¥