أخرج الترمذي بإسناد صحيح: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " يأتي على النَّاسِ زمَانٌ الصَّابرُ فيهِم عَلى دِينِه كالقَابِضِ على الجَمْر "، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: " ويلٌ للعرَبِ منْ شرٍّ قد اقترَب؛ فِتنًا كقِطعِ الليل المظْلمِ .. يُصبحُ الرَّجلُ مؤمِنًا ويمسي كافرا؛ يبيعُ قومٌ دينَهُم بعَرَضٍ منَ الدُّنيا قليل، المتمسِكُ يومئذٍ بدينِهِ كالقَابِضِ على الجمر " أو قال: " على الشَّوك " حديث صحيح رواه الإمام أحمد.
إنها ابتلاءاتٌ وإدالات، والشدائد كاشفات لأصحاب النفوس كبيرة .. والذين لا تزيدهم إلا صبراً ويقينا وحزماً وعزما.
إخوة الإسلام .. إخوة الإيمان: إننا بحاجة إلى تجديد الإيمان في قلوبنا وفي أعمالنا؛ سيَّما في وقت الشدائد والفتن: معاني الإيمان واليقين وحسن الظن بالله والتسليم، والصبر، وصدق الولاء، والتضرع لله والدعاء، وحسن المجاهدة وتهذيب النفوس وإصلاحها، والعبودية لله والاستعانة به وحسن التوكل عليه، والعمل بجدٍّ وفأل، وتوحيد الصف وجمع الكلمة، ومدافعة الباطل بلا يأس.
وكل هذه المعاني حققها المؤمنون السابقون في مُثُلٍ تُقوِّي العزائم وتشحذ الهمم، واقرأوا ما قص الله في القرآن من سيرة الرسل الكرام حتى قال الله – تعالى – في الختام: وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (هود 120).
قال الماوردي – رحمه الله –:" أي نقوي به قلبك وتسكن إليه نفسك؛ لأنهم بُلوا فصبروا، وجاهدوا فظفروا " .. انتهى كلامه -رحمه الله -.
واقرأ في سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وكيف كان الفأل والعمل في أحلك الظروف والمواقف:
فيبشر بظهور الدين وهو طريدٌ بين مكة والطائف - كما أخرجه ابن سعد في (الطبقات) - ويعِد سُراقةَ بسواريْ كِسرى وهو مُطاردٌ في الهجرة، وتحاصر المدينة بعشرة آلاف مقاتل وتنقض اليهود عهدها؛ فيبشر ببشارته الثلاث عند ضربه الصخرة التي عرضت – كما في صحيح البخاري -.
ودرج الصحابة – رضي الله عنهم – وتربَّوْا على هذه المثل، فهذا أبو بكرٍ الصديق – رضي الله عنه – يقف في أحلكِ المواقف حين ارتدتِ العربُ ووقف جيش أسامة بين خطر الروم وبلاء المرتدين، فيثبت أبو بكرٍ وحده حتى يثبِّت الله المؤمنين، وينفِد للروم جيش أسامةَ، ويقاتل المرتدين في اليمامة، ويحفظ الله الدين بمواقف المؤمنين ..
إن الثبات يحتاج إلى عزيمةٍ وجد وإيمانٍ ويقين.
أيها المؤمنون: وللدعاء أثرٌ عظيم في الثبات والنصر، والاستعاذة من الفتن واردة في الصحيحين، وفي الحديث المتفق عليه: "وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتنةِ المحيَا والممَات " ..
وما انتصر النبي – صلى الله عليه وسلم – في بدر حتى سقط رداؤه من على منكبه دعاءً وتضرعا.
والعلم النافع يميِّز به المسلمُ بين الحق والباطل حين تلتبس الأهواء، والسير في ركاب جماعة المسلمين أمنٌ من الفتنة، كما في حديث حذيفة المُخرَّج في الصحيحين.
ومن سيماء المؤمنين: التثبتُ من الأخبار .. خاصة فيما يتعلق بالدين وحملته، أما التَّخوُّض في الباطل واعتماد أخبار الفساق والاتكاء على الحكايات والقصص الغريبة فذلك شأن الجهلة والغوغاء.
عباد الله: إن مرحلة الضعف والانحسار تدعو إلى إعادة بناء الأمة وتسهم في مراجعة حالها مع ربها، وكلما اشتدت الفتن وتلاحقت كلما اشتدت الحاجة للعبادة حيث ينشرح صدر المؤمن ويطمئن قلبه، ويحرسه الله من وسوسة الشياطين وإغوائهم.
والعبادة وقت الفتن هي وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمته حيث قال: " بادِرُوا بالأعمالِ الصالحةِ فتناً كقِطعِ الليلِ المظْلِم .. يصبحُ الرجلُ مؤمِناً ويُمسِي كافِرا " رواه مسلم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: " العبادةُ في الهَرْج كهجرة ٍإليَّ " رواه مسلم.
فرقٌ بين من يتخوض في لُجَّة الفتن وبين من يركن إلى الله - تعالى - ويهاجر بقلبه إليه، ويتملق بين يديه ويدعو إلى سبيله ويسعى إلى الإصلاح وتسكين الفتن وتثبيت الناس على الحق ودلالتهم عليه، فرق بين من ينشر الخير ويزكيه وبين من ينشر العيوب والإحباط والتثبيط ..
¥