وعلاج هذه المشكلة: أن يبتعد عن قراءة هذه الكتب إلى قراءة كتب أخرى تغرس في قلبه محبة الله ورسوله، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، وليصبر على ذلك؛ فإن النفس سوف تعالجه أشد المعالجة على قراءة ما كان يألفه من قبل، وتملله وتضجره من قراءة الكتب الأخرى النافعة بمنزلة من يصارع نفسه على أن تقوم بطاعة الله فتأبى إلا أن تشتغل باللهو والزور.
وأهم الكتب النافعة كتاب الله، وما كان عليه أهل العلم من التفسير بالمأثور الصحيح والمعقول الصريح، وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما كتبه أهل العلم استنباطاً من هذين المصدرين أو تفقهاً.
5 – ظن بعض الشباب أن الإسلام تقييد للحريات وكبت للطاقات (هذه
ادهى وأمر)
فينفر من الإسلام ويعتقده ديناً رجعياً يأخذ بيد أهله إلى الوراء ويحول بينهم وبين التقدم والرقي.
وعلاج هذه المشكلة: أن يكشف النقاب عن حقيقة الإسلام لهؤلاء الشباب الذين جهلوا حقيقته لسوء تصورهم أو قصور علمهم أو كليهما معاً.
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا
فالإسلام ليس تقييداً للحريات، ولكنه تنظيم لها وتوجيه سليم حتى لا تصطدم حرية شخص بحرية آخرين عندما يعطى الحرية بلا حدود، لأنه ما من شخص يريد الحرية المطلقة بلا حدود إلا كانت حريته هذه على حساب حريات الآخرين، فيقع التصادم بين الحريات وتنتشر الفوضى ويحل الفساد.
ولذلك سمى الله الأحكام الدينية حدوداً، فإذا كان الحكم تحريماً قال:) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا) (البقرة: الآية187). وإن كان إيجاباً قال:) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) (البقرة: الآية229).
وهناك فرق بين التقييد الذي ظنه هذا البعض وبين التوجيه والتنظيم الذي شرعه لعباده الحكيم الخبير.
وعلى هذا فلا داعي لهذه المشكله من أصلها، إذ التنظيم أمر واقعي في جميع المجالات في هذا الكون والإنسان بطبيعته خاضع لهذا التنظيم الواقعي.
فهو خاضع لسلطان الجوع والعطش ولنظام الأكل والشرب، ولذلك يضطر إلى تنظيم أكله وشربه كمية وكيفية ونوعاً كي يحافظ على صحة بدنه وسلامته.
وهو خاضع كذلك لنظامه الاجتماعي، متمسك بعادة بلده في مسكنه ولباسه وذهابه ومجيئه، فيخضع مثلاً لشكل اللباس ونوعه ولشكل البيت ونوعه، ولنظام السير والمرور، وإن لم يخضع لهذا عد شاذاً يستحق ما يستحقه أهل الشذوذ والبعد عن المألوف.
إذن فالحياة كلها خضوع لحدود معينة كي تسير الأمور على الغرض المقصود، وإذا كان الخضوع للنظم الاجتماعية مثلاً خضوعا ً لا بد منه لصلاح المجتمع ومنع الفوضوية، ولا يتبرم منه أي مواطن فالخضوع كذلك للنظم الشرعية أمر لابد منه لصلاح الأمة، فكيف يتبرم منه البعض ويرى أنه تقييد للحريات؟! إن هذا إلا إفك مبين وظن باطل أثيم.
والإسلام كذلك ليس كبتاً للطاقات، وإنما هو ميدان فسيح للطاقات كلها الفكرية والعقلية والجسمية.
فالإسلام يدعو إلى التفكير والنظر لكي يعتبر الإنسان وينمي عقله وفكره، فيقول الله تعالى:) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ: الآية46) ويقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس: الآية101).
والإسلام لا يقتصر على الدعوة إلى التفكير والنظر، بل يعيب كذلك على الذين لا يعقلون ولا ينظرون ولا يتفكرون.
فيقول الله تعالى:) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْء) (الأعراف: الآية185).ويقول تعالى:) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَق) (الروم: الآية8). ويقول تعالى:) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) (يّس:68).
والأمر بالنظر والتفكير ما هو إلا تفتيح للطاقات العقلية والفكرية، فكيف يقول البعض: إنه كبت للطاقات؟.) كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (الكهف: الآية5) والإسلام قد أباح لأبنائه جميع التي لا ضرر فيها على المرء في بدنه أو دينه أو عقله.
فأباح الأكل والشرب من جميع الطيبات:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّه) (البقرة: الآية172). وقال: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: الآية31).وأباح جميع الألبسه على وفق ما تقتضيه الحكمة والفطرة. فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر) (الأعراف: الآية26). وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَة) (الأعراف: الآية32).وأباح التمتع بالنساء بالنكاح الشرعي. . فقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (النساء: الآية3). وفي مجال التكسب لم يكبت الإسلام طاقات أبنائه، بل أحل لهم جميع المكاسب العادلة الصادرة عن رضي، يقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: الآية275). ويقول: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15). ويقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه) (الجمعة: الآية10).
فهل بعد ذلك يصح ظن البعض أو قوله بأن الإسلام كبت للطاقات؟!
¥