وإذا قلت أيُّها المؤمن: ما هي صفاتُ هؤلاء الفائزين؟ وما هي أعمالهم التي نالوا بها هذا الفوز العظيم؟
تجد الجوابَ في كتاب الله عزّ وجل؛ بل تجده في آيةٍ واحدةٍ في القرآن جَمَعَت لك أسبابَ الفوز والغنيمة, يقول الله تعالى في سورة النور: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، إنَّها صفاتٌ أربعة إذا اجتمعت في العبد كان من الفائزين:
1 - طاعة الله.
2 - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
3 - وخشية الله والوقوف بين يديه - سبحانه وتعالى -.
4 - وتقوى الله - جلّ وعلا - بالبُعْد عن المعاصي والآثام.
فمَنْ كان بهذا الوصف وعلى هذه الحال فإنه يكون من الفائزين, ثم تذكَّر حالَ المؤمنين الفائزين؛ ماذا لهم بعد نجاتِهم من النار وفِكَاكِهم من عذابها وسلامتهم من الدّخول فيها؟ وماذا أعدَّ الله لهؤلاء الفائزين؟
يقول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 31 - 36].
ما أعظمها من حالٍ، وما أطيَبَه من مآلٍ، فكّهم الله - عزّ وجل -، وأجارَهم من النار، فجازوا الصراط، ودخلوا الجنة، وحازُوا هذا النعيمَ المُقيمَ، فتفكَّر في هذا المقام، وأهل الجنة يدخلون الجنّة من بابها فائزين أعظم فوزٍ، نائلين أعظم غنيمةٍ {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11].
فهل فوزٌ يُطلَبُ أعظم من هذا؟! إذ هو غايةُ الغايات، ونهايةُ النِّهايات؛ حيث فازُوا برضوان ربّ الأرض والسماوات، وفَرِحُوا بقُرْبه - سبحانه - ولذّة المُناجاة، وتنعَّموا بالنّظر إلى وجهه الكريم، وهو أعظم النعيم، وأكمل اللَّذَّات.
فتفكّر في حالك ومآلك في هذا المقام العظيم، وتأمّل هذه المعاني ولا تشغلك - يا رعاك الله - مُتع الدّنيا عن هذا الفوز المبين.
والواجبُ على المؤمن أن يكون دائمًا وأبدًا في كلِّ أيامه ولياليه، مُتَذَكِّراً لهذا المقام العظيم، آخذًا بالأسباب التي يكون بها نجاتُه من سخط الله وعقابِه، وفوزُه بجنّته ونعيمه {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصّافات: 60، 61].
قال الشيخ السّعديّ - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: "فهو أحقُّ ما أُنفِقَت فيه نفائسُ الأنفاس، وأولى ما شمَّر إليه العارفون الأكياس، والحسرةُ كل الحسرة، أن يمضِيَ على الحازم وقتٌ من أوقاته، وهو غيرُ مُشتغلٍ بالعمل، الذي يقرِّب لهذه الدّار، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟! ".
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا أجمعين من الفائزين حقًّا، النّاجين صدقًا، وأن يُوفِّقَنا لطاعته، ولنَيْل رضاه، وأن يهدِيَنا إليه صراطًا مستقيمًا، إنَّ ربي لسميع الدُّعاء، وهو أهلُ الرّجاء، وهو حسبُنا ونعم الوكيل.