وكذلك ساعدني ذلك على تصحيح بعض الأخطاء الهامّة الّتي ترتب عليها أحياناً تضعيف الحديث الصحيح براوٍ ضعيف .. إلى غير ذلك من أخطاء أخرى ما كانت تظهر لولا هذه المراجع، هذا ما يتعلق بالمصادر العلمية التي صدرت حديثاً.
وأمّا ما يتعلّق بالآراء والأفكار فالإنسان بحكم كونه خلق ضعيفاً وساعياً مفكراً فهو في ازدياد من الخير سواء كان مادياً أو معنوياً على ما يشاء الله -عزّ وجلّ-، ولذلك تتجدد أفكاره وتزداد معلوماته، وهذا أمر مشاهد في كل العلوم ومنها علم الحديث القائم على معرفة الألوف من تراجم الرجال وما قيل فيهم جرحاً، وتعديلاً، والاطلاع على آلاف الطرق والأسانيد، فلا غرابة إذن أن يختلف قول الحافظ الواحد في الراوي الواحد والحديث الواحد، كما اختلفت أقوال الإمام الواحد في المسألة الواحدة، كما هو معلوم في أقوال الأئمة ولا داعي لضرب الأمثلة؛ فهي معروفة، فبالأولى أن يكون لأحدنا من الباحثين أكثر من قول واحد في الراوي الواحد وحديثه ... » ا. هـ.
ويقول الشيخ أيضاً في مقدمة المجلد الأول من «الضعيفة» (ص3):
«ولما كان من طبيعة البشر الّتي خلقهم الله عليها العجز العلمي المشار إليه في قوله تعالى: {ولا يُحيطُونَ بشيءٍ مِنْ عِلمِهِ إلاّ بِمَا شَاء}، كان بدَهياً جداً أن لا يجمد الباحث عند رأي أو اجتهاد له قديم إذا ما بدا له أنّ الصواب في غيره من جديد؛ ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالاً قد تعارضت عن الإمام الواحد في الحديث وتراجم رواته، وفي الفقه، وبخاصة عن الإمام أحمد، وقد تميز في ذلك الإمام الشافعي بما اشتهر عنه أنّ له مذهبين: قديماً وحديثاً –وعليه فلا يستغربنّ القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء والأحكام الّتي يُرى بعضها في هذا المجلّد تحت الحديث (65) عند الكلام على حديث: «لا تذبحوا إلاّ مسنّة…»، وغير ذلك من الأمثلة؛ فإنّ لنا في ذلك بالسلف أسوةً حسنة، وإنّ ممّا يساعد على ذلك فوق ما ذكرت من العجز البشري - أنّنا نقف ما بين آونة وأُخرى على مطبوعات جديدة كانت أصولها في عالم المخطوطات، أو المصورات، بعيدة عن متناول أيدي الباحثين والمحقّقين إلاّ ما شاء الله منها لمن شاء فيساعد ذلك من كان مهتماً بالوقوف على هذه المطبوعات والاستفادة منها على التحقيق أكثر من ذي قبل، وهذا وذاك هو السر في بروز كثير من التصحيحات والتعديلات على بعض ما يطبع من مؤلّفاتي الجديدة أو ما يعاد طبعه منها كهذا المجلّد الّذي بين يديك وينتقدني لذلك بعض الجهلة الأغرار، كذاك السقّاف -هداه الله-، ومن الشواهد على ذلك ما تفضّل الله به عليّ ووفقني إليه: أنّني رفعت من هذا المجلد إلى «الأحاديث الصحيحة» حديثين اثنين - إلى أن قال -: وقد يقع مثله في غير هذين الحديثين كما يمكن أن يقع عكس ذلك تماماً فرحم الله عبداً دلّني على خطئي وأهدى إليّ عيوبي؛ فإنّ من السهل عليّ -بإذنه تعالى وتوفيقه- أن أتراجع عن خطأ تبيّن لي وجهه، وكتبي الّتي تطبع لأول مرة، وما يجدد طبعه منها أكبر شاهد على ذلك» ا. هـ.
ويقول الشيخ -رحمه الله- أيضاً في المقدمة من المجلد السادس من «الصحيحة»:
«وحتى يكون إخواننا القراء الأفاضل على اطلاع لما قلت، ومعرفة لما أشرت أذكر - في هذه المقدّمة الوجيزة -أهم ما وقع لي في هذا المجلد من أحاديث وروايات، ومباحث علمية: من ذلك - فيما أرى - بعض الأحاديث أو المسائل الّتي ظهر لي منّي ابتداءً -أو بدلالة غيري- فيها تغيرُ رأيٍ أو اختلاف اجتهاد أو خطأ انكشف لي فيما بعد؛ كمثل الأحاديث ذوات الأرقام: (2520 و 2551 و 2576 و 2639 و 2658 و 2723 و 2764 و 2813 و 2878 و 2883) وغيرها.
فقول الشيخ: «وغيرها»؛ يبيّن لك أنّ الشيخ لم يتقيّد بهذه الأرقام الّتي ذكرها؛ وإنّما هذه الأرقام على سبيل المثال؛ كما سيمر بك بعضها ممّا حكم عليها الشيخ بالضعف في كتبه من قبل، ثم تبيّن له صحّتها أو حسنها هنا في هذا المجلّد.
وأيضاً يقول الشيخ في «صحيح الترغيب» (ص 6) الطبعة الأولى الجديدة بعد أن ذكر حديثاً قد صحّحه بعد أن كان يرى ضعفه.
قال الشيخ: «ومثله كثير».
فينبغي التنبه لذلك، وإنّني أنصح القراء الكرام اعتماد هذه الطبعة واقتناءَها والاعتناء بها وهي الطبعة الواقعة في خمسة مجلّدات (صحيحها وضعيفها) وألا يعتمدوا الطبعة الأولى والثانية والثالثة؛ ذلك لأنّ الشيخ قد تراجع في الحكم على بعض الأحادِيث فيها فحذف من الطبعة الجديدة ما كان قد صحّحه في الطبعات السابقة قرابة (الأربعين) حديثاً وأضاف إلى الطبعة الجديدة قرابة (الخمسين) حديثاً كان يرى ضعفها.
وقد اهتم الشيخ بهذا الكتاب - «الترغيب» - أشدَّ الاهتمام خاصّة آخر حياته التّي بذل جهوده فيه على أن يخرج منقحاً وبثوبه الجديد وفي ذلك تقول ابنته أم عبد الله (ج6 ص3) من «الضعيفة»: «وكان الوالد أثناءها منكباً بهمة وجلَد عجيبين على المراجعة الأخيرة لـ «صحيح الترغيب والترهيب» و «ضعيفه» حتى أتمَّها والحمد لله» ا. هـ
وقال الشيخ أيضاً في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 9 - المعارف):
«هذا؛ ولا بدّ لي -قبل الختام- من التنبيه على أمر مهم، وهو أنّه قد يرى بعض القراء في كتب هذا المشروع وغيرها بعض اختلاف في المراتب الموضوعة لبعض الأحاديث، بين كتاب وآخر، فيصحّح الحديث أو الإسناد -فمثلاً- يصحّح في أحدها ويضعف في آخر، فأرجو أن يتذكروا أنّ ذلك مما لا بدّ أن يصدر من الإنسان؛ لما فُطِر عليه من الخطأ والنسيان، وقد أشار إلى ذلك الإمام أبو حنيفة النعمان -عليه الرضوان- حين قال لتلميذه الهُمام أبي يوسف: «يا يعقوبُ! لا تكتب كل ما تسمع منّي؛ فإنّي قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غدٍ» ... ذكرت هذا التنبيه راجياً أن لا يتسرع أحد من القراء - إذا ما وجد شيئاً من ذلك الاختلاف - وهو واجده حتماً - إلى توجيه سهام النقد والاعتراض بعد أن ذكر بالأسباب ... » ا. هـ.
والله الموفق
¥