تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعلمون؟ - ومن كان مبدأه العلم والعمل، ونفع الإنسانية جَمعاء؛ فأحر به أن يسود العالَم كله بِمبادئه السامية.

كان الأذان شعار أولئك المعلمين، فأينما وصلته أرجلهم، ولامسته أيديهم؛ جللته ألسنتهم بكلمة الله العليا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فكانت صخرة قرية: أتامز وأسيف من سملالة بِجبال جزولة -حيث الأطلس الصغير- أول ما تشرف هناك بتلك الكلمة بادئ بدء في جبال جزولة () فلو كان أسلاف هذه الأمة ممن تنسيهم الآثار الأعيان، ويتأخرون عن المقاصد بالوقوف مع الأنصاب؛ لكانت هذه الصخرة مكللة بالياقوت والجوهر، ومُجللة بالسندس والحرير، ولكن أنى يكون مِمَّن [15] عرفوا تلك الكلمة العليا حق المعرفة، من يلتفتون إلى الأحجار، وإن كانت ذات تاريخ مثل هذه الصخرة، بعد ما خاطب الفاروق الحجر الأسود بِما خاطبه به يوم استلمه: «إنك لا تنفع ولا تضر»، وبعد أن استأصل الشجرة التي كانت تَحتها بيعة الرضوان، فاستأصل بذلك ما عسى أن يكون باقيا في نفوس من لَم ينسوا بعد (ذات أنواط).

أتم العصامي إدريس (172هـ) ما كان قبل مؤسسا (62هـ) ثم في (87هـ) بأيدي عقبة وابن نصير، فبث التعاليم، ونشر بِحسب الإمكان العلم العربي، فاستقبل به المغرب عهدا جديدا، لَم تقدر يد الشماخ ()، ولا حيلة البرمكي أن تزعزعا أركانه، فإن الذين تلقوا شابا، لَم يسلخ إلا نَحو خَمسة وعشرين ربيعا، وليس معه إلا عبد واحد ثم رفعوه على العرش برضى منهم، ثم ناولوه الصولَجان، ثم وقفوا بين يديه مصطفين ينتظرون أوامره، لينفذوها في أنفسهم وفي أموالِهم، أولئك قوم ما أقدموا على ما أقدموا عليه، حتى عرفوا ما يصنعون، وقد خالطت التعاليم الجديدة بشاشة نفوسهم، وملأت أعمال قلوبِهم، فرموا العصبية الجنسية ظهريا، فاستقبلوا المنفعة المجسمة من أعمال أبناء تِهامة ونَجد بكلتا اليدين، فيرون أتم الشرف في أن يكونوا مرءوسين لأحد أولئك الأبناء، رغما عن كل الدسائس والمكر والخديعة التي تنالَهم بواسطة ابن الأغلب، القاضي بمكره على أميرهم ثم على مولاه الأمين، فلم يصعب عليهم أن ينتظروا وراء أميرهم المرموس نسمة أخرى مباركة من نسله، يسير بِها ذلك العهد الجديد سيره الطبيعي إلى المدى الذي هو لا بد مدركه، وإن كره البغداديون.

تأسست عاصمة الدين والعلم والحضارة (فاس الخالدة) (192هـ) فصارت منبع العلم، وميزان الدين، ومقياس الشعور، والحضارة في المغرب فكانت تأخذ من القيروان ثم من قرطبة من تأخذ، ثم تمد إلى القرى والقبائل الجبلية والصحراوية، من روحها وحضارتها وعلمها الجم ما ينمو مع الأيام، فلَم يَمض إلا زمن ليس بالكثير، بِحسب بيئة ذلك العصر، حتى رأينا المغرب يكتسي حلة عربية، وقد تأصلت فيه العلوم العربية، وتأسست لَها معاهد.

وقد كانت (سبتة) تضاهي فاسا [16] في هذه المهمة بل تفوقها أحيانا، كما كانت (سجلماسة) و (أغمات) و (سلا) و (طنجة) و (تادلة)، تسير أيضا في ذلك المنهج، على اختلاف سير بعضها عن بعض، فتؤدي تلك المهمة العظيمة التي بها تَحيا الشعوب، وتمجد الأقطار، ومتى أراد الله إحياء قطر هيأ له بِحكمته الأسباب ?إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ?.

هل في سوس علم واسع

من قبل القرن التاسع؟

كانت سوس من الأطراف التي تشع نَحوها هذه الحواضر بِما فيها، وقد كان الإسلام أطل عليها من أيام عقبة (62هـ)، ثم رسخ فيها أيام ابن نصير (87هـ) وهو الذي رأينا أحد أولاده في (أغمات) يسير دفة ما وراءها، فإذ ذاك تَخطاها الإسلام إلى الصحراء، فكان هناك راسخا، وقد رأينا عهد الإمام إدريس (175هـ) من وفدوا عليه من هناك راسخي الإسلام، مغتبطين به من أسلاف الدولة اللمتونية، الذين تأسست منهم في القرنين الثالث والرابع دولة ساذجة في الصحراء، فهكذا كانت سوس دائما في مقدمة أطراف المغرب، وهي وإن كانت ذنبه؛ فقد يكون الذنب من بعض ذوات الريش أحسن ما فيها؛ إذن لا بد أن يكون في سوس () من قادة الدين من علمائه من يقودون الشعب المتدين بِهذا الدين الجديد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير