تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومُجمل القول: أن العادة المعهودة () من الإكباب على هذا الفن في الرمضانات لَها آثار كثيرة في الاطلاع عليه، ولو في الجملة، سردا عند البعض، وتفهما عند آخرين، ومن عادتِهم إقامة حفلة عند اختتامه.

ألم يطرق أذنك وأنت في الحوز موسم البخاري المزوضي، وموسم البخاري البوعثماني الجدميوي، وموسم البخاري البوعنفيري، فإن أصل ذلك أن يتخذ يوم إتمام درسه يوم إقامة حفلة عامة، ثم شاع ذلك فدخلته التجارة حتى تَحول الْجَمع إلى غير ما هو له، فبقي عليه شرف الإضافة إلى البخاري فقط، سمة دائمة، وهذه العادة التي في مدارس الحوز من بنات المدرسة التيمجدشتية السوسية تنادي بأن ذلك الاعتناء إنَّما جاءها من سوس والأثر يدل على المؤثر، حتى ضعف ذلك في العهد القريب، فذهبت الآثار بعد ما ذهبت الأعيان، لا في الحاضرة ولا في البادية.

[37] 5 - علوم الحديث:

هذا الفن لازم لفن الحديث المتقدم، فتزدهر بازدهاره، وتضعف بضعف الاعتناء به، وقد رأينا شروحا على متونه ومنظومات منه حين ازدهاره بين السوسيين، فهناك منظومة (نُخبة الفكر) لِمُحمد بن سعيد القاضي العباسي، ونظم (النقاية) التي تَجمع فنونا منها هذا الفن لِمحمد بن الحسن الأمانوزي الأديب، وشرح (الطرفة) في الاصطلاح للحضيجي وغير ذلك، مِمَّا لَم نستحضره الآن، وهناك ترجمة (الأربعين النووية)، و (رياض الصالِحين) للنووي أيضا للإلغيين إلى الشلحة.

6 - النحو. 7 - التصريف. 8 - اللغة:

العلوم التي يعتني بِها السوسيون كانت كلها أذنابا في أنظارهم لعلم اللغة العربية لِمكانتهم من العجمة، ولا مُفتاح لِهذه العلوم إلا إذا دخلوا من هذا الباب؛ ليمكن لَهم بِها أن يتفهموا ما يريدون، وقد قال قائلهم في ذلك -فيما سمعت- وتنسب لِمحمد بن يَحيى الأصاريفي:

العلم شيء حسن

فكن له ذا طلب

بالنحو فابتدئ وخذ

من بعده في الأدب

وإن أردت بعد ذا

جاها ونيل المطلب

فافهم أصول مالك

واحفظ فروع المذهب

وهذا ظاهر لا بد منه لكل السوسيين بطبيعة الْحَال؛ لِكونِهم أجانب عن لغة الضاد، ولكنهم لا يكادون يتذوقون حلاوة أساليب اللغة حتى يبقوا دائمين على مزاولتها شغفا بِها على حد قول القائل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبا خاليا فتمكنا

وحين تكون اللغة والنحو والتصريف أول ما يسبق إلى أذواقهم، قلما ينسونَها، وإن شاركوا في غيرها، فيعضون عليها بالنواجذ ويكبون على تحصيلها والزيادة فيها، ثم بِمقدار إكبابِهم عليها تتزحزح العجمة عن ألسنتهم، وتتمكن روح الأساليب العربية في أذواقهم، حتى تأخذهم نعرة ربما تكون شديدة للعربية، كأنها إرث أجدادهم، وحتى يكادوا يَمرقون من [38] مساليخهم حنقا على من يلمزهم بالتقصير فيها، وفي دار الجرسيفي () على الفاسي أعظم دليل على هذا كما يوجد أيضا مثال آخر في مرادة شعرية وقعت بين المراكشيين وبين أبي فارس الرسموكي، ومُحمد بن سعيد العباسي وحلبتهما، فقد اشمأز هؤلاء حين أرسل إليهم المراكشيون أسئلة منظومة على قواف متعددة، فقالوا لَهم أجيبونا بالنثر، إن استعصى عليكم النظم، فتبادروا زمرا يُجيبون كلهم تلك القوافي المختلفة بِما لا يقل عنها أحكاما، فيجيب كل واحد على حدة ()، ومثل هذه الحمية مَحمودة ما دامت في دائرة التنافس المحوط بأدب الخطاب.

للسوسيين طريقة معبدة منظمة في تعليم اللغة والنحو والتصريف، فمن سلكها منهم يضمن له الفوز، وما ذلك إلا لأنَّهم أتقنوا هذه الفنون الثلاثة إتقانا، ولشدة حرصهم عليها، ولأنَّهم كلا شيء في الميدان العلمي إن كانوا في هذه مقصرين، وقد أثنى اليوسي على الطريقة التي يسلكونَها في التصريف في فهرسته () عندما ذكر شيخه أبا فارس الرسْموكي، وكذلك شهد لَهم محمد العالِم بالتفوق ()، وما لنا نذهب إلى البعيد وما في القريب يكفي، فقد أدركنا هذا الجيل الذي انقرض بسنوات (1349هـ)، ويعلم كل مطلع منصف أن العناية التي تلقاها هذه الفنون الثلاثة في جنوبي الأطلس، لا تلقاها في شماليه، من غير أن نستثني إلا أفرادا ينبغون بأنفسهم، وأما مَجالس الدراسة فلا، فقد أدركنا التسهيل، بل والكافية، مما يدرس عند الأدوزيين وغيرهم وما أكثر شروحهما هناك مَخطوطة، وعرفنا أناسا حفظوا منها أو حفظوها كلها، ثم لا يقرءون الألفية في الصفوف العليا إلا بالأشموني والصبان والموضح بِحواشيه تتبعا، والأساتذة يكون على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير