تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألسنتهم بلا مراجعة كل شواهدها، وكل القواعد التي تتعلق بالدرس فقد كان الحاج عابد البوشواري الهشتوكي على هذا النمط ()، فقس كل هذا بِما كان معروفا في شمالي الأطلس قبل النظام الأخير، من كون الغالب الذي يَجب أن يتعالى إلى مثل هذه المنزلة، إنَّما هو نصابي فقط، يَملأ دلاءه بكثرة مُطالعة، ثم إذا صب [39] شآبيبه الصيفية رجع جهاما، لا تبل منه بعد ولو قطرة، ثُم هو مع كل ذلك الاحتشاد، لا يتطاول إلى مثل التسهيل، وهذا كله لا يَخفى عن أحد عرف في الموضوع من الجانبين ما عرفنا، نعم أدركنا قليلين في الحمراء وفاس هُم النهاية في ذلك، ولكنهم أقلية على كل حال إزاء غيرهم، حتى إن الممتازين منهم في هذا الفن يعدون على الأصابع.

ثم يَجب أن يعرف أن هذه المزية وحدها لا تقتضي تفضيل جنوبي الأطلس على شماليه؛ لأن المزية لا تقتضي التفضيل، وما قيل في النحو والتصريف، يُقال في اللغة، فإن السوسيين لإتقانِهم التصريف إتقانا تامّا يعرفه كل من يلاقي السوسيين النجباء، ينفتح لَهم باب اللغة، ثُم كانوا لإكبابِهم على مراجعة القاموس والصحاح والمختار -وهي التي توجد عند غالبهم- عند كل شاذة وفاذة، أكثر من نعرفهم استحضارا لضبط الكلمات، وقد كانت خطبة القاموس مِمَّا يدرسونه ولا بد إزاء التحفة العاصمية.

أفلا يدل هذا على الاعتناء الذي نذكره؟ وأين هذا مِمَّا عرف عن غيرهم مِمن لا يَهتدون إلى استخراج كلمة من القاموس؟ حتى ليقع عليه من يُشار إليهم في مضحكات، لَم يزل شباب العصر الحاضر الماهر اليوم في هذا الفن يتداولونَها.

ثُم ليس المقصود من هذا كله إلا تبيين الحقيقة فقط، وإلا فسوس من المغرب الذي لا يتجزأ، ونعوذ بالله من أن يفهم من كلامنا ما لا يُراد منه، فحاشا أن نتخذ شعبنا الوحيد عِضين.

وبعد هذا كله، نعود فنقول: إن هذا الحكم لا يدل -كما ذكرنا قبل- على أن كل من بسوس بلغ هذه المرتبة ولا أن كل من لضم يكن من سوس غير بالغها، بل لا تزال سنة الكون تقضي قضاءها، فيوجد هنا وهناك نُجباء وبلداء، وإنَّما اتكأنا بِحكمنا على الغالب، وعلى ما هو سائر في الدراسة العامة لا غيرها من الْخَاصة.

إن من يتتبع رجال سوس يَجد في كثيرين منهم من ينص على إتقانه لِهذه الفنون: النحو، والتصريف، واللغة، كإبراهيم بن محمد بن عبد الله اليعقوبي الذي قال فيه معاصروه (): آخر من أتقن علم التصريف، وكداود بن محمد السملالي الذي كتب في إعراب أوائل الأحزاب، وكمحمد بن إبراهيم [40] البعقيلي الذي وصفه مطلع () بأنه آخر من يَحفظ كتاب سيبويه، ويستحضره فهما، وكيحيى الجلموسي الملقب بسيبويه عصره، ومُحمد بن عبد الله حفيد الشرحبيلي الأصناكي المتفوق في النحو، وكان متبحرا فيه، يعلن ذلك تحدثا بنعمة الله عليه، وأحمد بن عبد الله اليبوركي التملي الماهر في النحو والتصريف، وكثيرين غيرهم مِمن ألفوا في النحو، ومؤلفاتِهم مشهورة لا نُطيل بذكرها، وآخر النحويين الأفذاذ العربي إبراهيم الأدوزي، وعبد الله التوضوئي، والْمَحفوظ الرسْموكي ثم الرداني، والْحاج عبد الحميد شارحو الألفية أو مَحشو شروحه، فقد ذكروا عنهم في النحو أنَّهم بواقع، فيستحضرون التسهيل وشرح ابن عقيل عليه استحضارا بله غير ذلك، وما ذكرناه في النحو نذكر مثله في التصريف؛ لأنَّهما شيء واحد لا يتجزأ عندهم، فلهم فيه أيضا مؤلفات، وفي جبال جزولة إلى الآن من متقني هذا الفن إتقانا عجيبا عشرات، ولا يزالون أحياء إلى الآن.

وأمَّا اللغة؛ فلا ينبغي لنا أن نغر القارئ فيحسب أن هناك من لَهم في اللغة مثل هذه المكانة في النحو والتصريف؛ لأن مقصودنا فيما نسميه معرفة اللغة: هي إتقان التصريف الذي هو شطر اللغة، ثم طول الممارسة لِمراجعة القاموس والمصباح والمختار، حتى يتقن ضبط الكلمات الاسمية والفعلية إتقانا، حتى ربما يتلو واحد منهم في اليوم كله في كتاب من الكتب الأدبية كـ: (نفح الطيب) مثلا الذي لا يتعمد حشر الكلمات الحوشية، ثم هو مع ذلك لا تَخلو صفحة منه من كلمات غير معتادة كثيرا، فيمرق لسان التالي بلا تَهدج ولا تصحيف ولا غلط في ضبط الكلمات اللغوية فضلا عن الضبط النحوي، ثُم لا يتوقف أن استمر يتلو بِجهر بين جَماعة لا يستحيون أن يردوا على الغالط -كما هو ديدن الإلغيين الجريئين كلما سَمعوا لَحنا مِمن يتلو أمامهم- فيدوم على ذلك النهار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير