تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هو أعلى وأسنى مِمن في مَجالس فاس والْحَمراء؛ كما قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.

ذلك ما يظهر لنا حول دراستنا للموضوع في القطر السوسي، فقد تراءى لنا أن هذا الفن وإن كان دائما يكب على تعاطيه وتفهمه غاية الإكباب، لَم يكن دائما في مستوى واحد، كما نرى مثل هذا عينه في فاس والْحَمراء، فيكون تأثر الأطراف مِما يقع منهما، وربّما يكون لَها تفوق عليهما على قلة ذلك في بعض الفترات، يقع كل ذلك مع عدم انقطاع البعثات السوسية إليهما وإلى (تامكروت) من الحادي عشر، بل وإلى الأزهر أحيانا من قديم.

[49] لَم يزل هذا الفن في علوه مع تفاوت مراتب علوه، إلى أن مضى الربع الأول من القرن الماضي، فظهر لنا أنه بدأ يتقلص منه ذلك الاستبحار الذي نراه في الهوزيويين والحضيكيين ومن قبلهم، فلا نرى براعة إلا في أفراد غير كثيرين بالنسبة إلى من قبلهم، فتأخر بذلك سير هذا الفن عن الفنون العربية التي لَم تكن مرتبتها مائلة إلى الإسفاف بعد، وقد أدركنا من الجيل الذي عرفناه عدم إمعان كثير في هذا الفن، بِحيث يساوي مرتبة إمعانَهم في العلوم اللغوية العربية إلا عند الأدوزيين أو الجشتيميين، أو عند الأستاذ البونعماني ابن مسعود، فهؤلاء لا يزالون مكبين على فن الفقه، ويستحضرون كل ما في المعيار القديم، بله ما كتب في النوازل الأخرى في سوس، من فتاوي السوسيين المجموعة وغيرها، وأما غيرهم فيقتصر على ما هو أدون من ذلك بكثير، حتى أن فتاويهم لا تعدو نصوصها التي ينقلونَها ما في التسولي وما في التحفة والزقاقية والعمل، ومتن المختصر، وبعض شروحه، ولا نرى ذلك التوسع الذي نراه عند أولئك الذين نَجدهم يدعمون فتاويهم بنصوص مستقاة من المعيار والزرقاني وحواشيه، ثم يردفون ذلك بأصول مذهبية، يستشهدون فيها بكلام القرافي وصاحب المنهج وكلام مذيله، والشروح التي عليهما، وقد يتوسعون إلى سوق القواعد الأصولية العامة، حتى أننا رأينا لبعضهم فتيا واحدة على هذا المنهج الموسع خرج مؤلفا خاصا ()، وما أكثر أمثال هذه المؤلفات عند من ذكرناهم من الأدوزيين والجشتيميين والبونعماني.

هذا هو الذي أدركناه، ثُم لَم تنشب طبقة الفقهاء الفطاحل الذين كانوا تيجان سوس الفقهية أن درجوا، فلم يَبق الآن وراءهم مِمن يُمكن أن يسدوا مسدهم إلا القليل جدا جدا، وإن كان لا يزال هنا وهناك من لَهم استبصار بالفن، ويعرفون كيف النزع في قسيه، ولكن الدراسة الفقهية اليوم من سوس في الغرغرة، كما وقع لغير هذا الفن، لإقفار المدارٍس، وانطواء الْهِمم، وفتور العزائم، لِما دبَّ إلى مَجموع قوى الأمة المغلوبة من الانْحلال تَحت هذا الاحتلال ().

[50] 13 - الفرائض. 14 - الحساب.

جَمعنا هذين الفنين في قرن واحد؛ لأنَّهما كذلك عند السوسيين، وقلما يبرع أحدهم في أحدهِما إلا وبرع في الآخر، والفرائض جزء من الفقه، يشملها كل ما ذكرناه عن الفقه، وإنَّما أفردناها لأننا نرى للسوسيين نَحوها التفاتا خاصا، ربّما كان عند بعض الأفراد أحظى من غيره؛ ولذلك لَم يدب إليه الضعف الذي ذكرناه عن الفقه مُنذ ولى صدر القرن الماضي، فأدركنا منه ازدهارا في كل المدارس السوسية في جَميع الْجهات، ولكون السوسيين يولعون به كثيرا، كان بعض الْحُذاق الحضريين يسميه: علم السوسيين، وقد عرفنا أناسا امتازوا في الأدوار العلمية السوسية بالوصف به على الخصوص، وألفوا فيه؛ كعلي بن أحمد الرسْموكي الذي شرح (فرائض ابن ميمون) كما له مؤلف آخر رأيناه، وكأحمد بن سليمان الرسْموكي الفرضي المولع بِهذا الفن، فألف فيه مؤلفات شتى جَمعت فأوعت، وهُناك بعضهم ألف فيه بالشلحة، فترى الأميين يُحاولون بواسطته مُناظرة الفقهاء في تصحيح المسائل، وقد وضع به لَهم هذا الفن الجليل على طرف الثُّمَام، وكيبورك شارح (فرائض المختصر) وقد عرف أبو القاسم التيفنوتي نزيل درعة بالسرعة باستخراج المتطلب من تصحيح مسائل الفن، وكذلك عرفنا من المعتنين بالتأليف في الحساب إبراهيم الزنتلي السملالي من أهل التاسع، صاحب الأرجوزة المشهورة بسوس، وقد ذيلها أبو فارس الرسْموكي، فشرح الأصل علي بن أحمد الرسْموكي، ثم ذيلها أيضا أحمد بن سليمان الفرضي، فشرح الأصل مع ذيله بشروح متعددة، ولَم يزل هذان الفنان يعتنى بِهما، يدرسان في الرمضانات خاصة بعمل تصحيح المسائل، حتى أدركنا من المشيخة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير