تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

للعلم الأدبي استدعاء لإتقان هذا الفن الذي تصفف طرر قوافيه على جبينه؛ ولذلك كان يزدهر بازدهار الأدب، ويَجدب بإجدابه، وهذا هو الواقع في هذا الفن بسوس، فقد كان في عهد النهضة الأدبية السوسية الأولى مدمجا في الدراسة العامة فتتناوله أقلام التأليف؛ فقد ألف فيه أبو فارس الرسْموكي، ثم أحمد بن سليمان الرسْموكي الفرضي، والحسن بن أحمد، وعلي بن أحمد الرسْموكي، ولغيرهم منظومة في الفن قصيرة، ثُم لَمَّا انتعش الأدب ثانيا في العهد الأخير رجع إليه كذلك الاعتناء، فيدرس بعضهم (الخزرجية) وبعضهم (الحمدونية) ومبدأ نَهضته الأخيرة من أوائل القرن الماضي، وكان معروفا بين المراكشيين الأستاذ اليزيد الروداني شيخنا العروضي، فإنه من تلاميذ تلك الطبقة، وفي الجيل الذي أدركناه بسوس يوجد الاعتناء بالأدب؛ كالمدرسة الجشتيمية والإلغية والأدوزية والبونعمانية، فقد ألف فيه ابن مسعود، ثم لَمَّا فتر دولاب التدريس اندمج في المجموع.

[53] 18 - الطب:

لا تزخر دراسة هذا الفن بطبيعة الْحال -قبل العصر الحديث- إلا في الحواضر، وفي أثناء أذيال المدينة التي تَحتاج إليه غالبا، وأما في البادية حيث الجو صقيل، والْهواء صحيح، والأجسام مستقيمة، والأمزجة معتدلة، فأنى يكثر الالتفات إليه إلا عند أفراد، وهذا هو الذي وقع في سوس، فإننا لَم نعتده ذا انتشار في التأليف أو في التدريس إلا قليلا، فأول من عرفنا له فيه مؤلفا: حسين الشوشاوي الراسلوادي، وهو من أهل التاسع، ثُم أحمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي، ومُحمد بن علي البعقيلي صاحب (الطب البعقيلي) الشهير، وكلاهُما من أهل الحادي عشر، ثُم لأحمد بن سليمان الرسْموكي الفرضي، وهو من أهل الثاني عشر، وحوالي هذا الحين كما نظن كان تأليف كتاب طبي بيد بعض الأزاريفيين، ثم جاء الباقعة الغريب الشأن أحمد ابن الشيخ الحضيكي، حافظ التذكرة للأنطاكي وكتاب الزهراوي () حفظا، حتى ليحدث عن لفظهما بلسانه عن ظهر قلب في درس الفن، فكان مما يدرسه مؤلف ابن سينا في الطب بشرح ابن رشد، وكان مولعا بِهذا الفن، حتى أدرك فيه الغاية، ونرى أنه فريد من مفاخر المغرب من هذه الناحية، وقد ذكر كل هذا بعض من أخذوا عنه ()، ورأينا أيضا أحمد التاهالي الرحالة أتقن الطب، وامتاز به بين معاصريه كالمتقدم، وهُما معا أدركا أول الثالث عشر، ثم انطوى الفن، ولَم نرَ له ذكرا في التدريس أو في التأليف، إلا أن بعض أناس يذكرون بالتطبب، حتى أن منهم من يتسلسل فيهم أبا عن جد؛ كأبناء مُحمد بن سعيد الكرامي، المشهور بإتقان هذا الفن، من أهل مُختتم التاسع، وربما كان المذكورون أخيرا بالطب؛ كالحاج ياسين الوَسخيني، إنَّما يستقون مِما هناك من بعض الكتب ومن التجارب، لا من الدراسة المنظمة، وقد كان للشيخ الإلغي ولوع بِهذا الفن، فافتتح فيه مؤلفين: أحدهما بالعربية، والآخر بالشلحية، شغل عن السير فيهما كثيرا، أو كان الثاني تاما، لكننا لَم نقف عليه، وكان من أكثر معاصريه استحضارا للأدوية المفيدة في كل داء رآه، مع إكبابه على مراجعة كتب الفن، وخزانته زاخرة بكتب الطب على أنواعها، وللحاج عبلا -عبد الله- الإلغي، والد الأساتذة، يد طولى عملية لا علمية فنية.

[54] هذا ما عندنا في هذا الفن، فيتلخص أنه ليس بِمدروس بين العلوم عند السوسيين إلا قليلا، وأن المعتاد إنَّما هو الطب التجريبي الساذج.

19 - الأسانيد:

شاع في المغرب من قديم قلة الاعتناء بِهذا الفن، وإن لَم يكن يَخلو في كل وقت مِمن يتعاطاه؛ لِما امتاز به المغاربة من الإكباب على الدراية أكثر من الرواية، فكان لسوس بين أرجاء المغرب مثل هذا الوصف بعينه يقل فيه الالتفات إلى ذلك، وإن لَم يكن يَخلو مِمن يلتفتون إليه؛ فلذلك يَجد المطلع على حياة رجالاتهم فهارس ورحلات امتلأت بالأسانيد والاستجازات، وقد كان هذا مذكورا في التاريخ من مفتتح القرن العاشر، ثم لَمَّا جاء عبد الرحمن التامانارتي في القرن الحادي عشر أظهر ذلك في كتابه (الفوائد الجمة)، فأبان اعتناء مشيخته ومشيختهم بوصل حلقات الأسانيد، ثم جاء أحمد أحوزي التيملي نزيل درعة بفهرسته المشهورة بعد صدر القرن الثاني عشر، ثُم محمد بن يحيى الأزاريفي بكراسة شحنت بأسانيده في التصوف، وبأخرى بأسانيده في العلوم، ثُم تبعه أولاده وأحفاده في ذلك، ثُم التَّاسجدلتي، فعندنا له

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير