تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إبان فترة التوتر التي نشأت بين العالم الإسلامي والغرب إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سعت mbc لمعالجة الكثير من القضايا الحساسة من وجهة نظرها الخاصة، ففي الفيلم الموسوم بـ"أحداث سبتمبر بعيون سعودية" والمخصص للبث في الإعلام الغربي، بذل المنتجون جهدا واضحا لقولبة الرأي العام السعودي، وجاء على لسان أحد الإعلاميين السعوديين قوله: "إن السعوديين قد بكوا على ضحايا هذه الأحداث أكثر من الأمريكان أنفسهم"، وبات واضحا لكل مشاهد أن جميع المواطنين يؤيدون وجهة النظر الأمريكية في تفسير تلك الهجمات، وهو ما يشكك فيه بيان المثقفين السعوديين الذي بات معروفا لدى الجميع.

في محاولة أخرى، قامت القناة في مطلع عام 2004 ببث برنامج ( chat the planet) والذي بدا أنه يسعى لإقامة حوار بين الشباب العربي والغربي في محاولة لمد جسور التفاهم بين المجتمعين، وقد لفتت نظري إحدى الحلقات التي جمعت بين مجموعتين من الشباب إحداهما في عمّان والأخرى في نيويورك، حيث يجري الحوار عبر الأقمار الصناعية التي تنقل صورة حية للمجموعتين في الوقت نفسه، ويمكننا تسجيل الملاحظات السريعة التالية:

1ـ كانت لغة الحوار هي الإنجليزية، مما يعني إلمام أحد الطرفين بلغة الآخر - وهو الطرف العربي بالطبع- في الوقت الذي يتحدث فيه الآخر بلغته المحكية، وهنا نقطتان: أولاهما أن المجموعة الأولى (العربية) تم انتقاؤها من بين الشباب الذي يتقن التحدث بالإنجليزية بطلاقة وهم لا يشكلون بالطبع إلا فئة معينة من الشباب العربي ولا يمكن أن تمثل مجتمعها على عكس المجموعة الثانية، أما النقطة الثانية فهي تبعية المجموعة الأولى ثقافيا للثانية بشكل واضح، مما ينفي أي حياد حتى في من بالنظر إلى الانطباع النفسي الذي يخلفه هذا الحوار.

2ـ بدأ سعي منتجي البرنامج لإبراز علمانية المجتمع العربي واضحا للغاية، فقد تعمدوا استضافة شابين مسيحيين وسط مجموعة من الفتيات غير المحجبات باستثناء واحدة فقط، بينما لم يفكروا في استضافة شاب أو فتاة من المسلمين الأمريكيين في المجموعة الثانية، ومن الطبيعي والحال هذه أن تسعى المجموعة العربية لإثبات توجهها العلماني كتفاخر إحدى الفتيات بكونها ناشطة في مجال حقوق الإنسان -من وجهة النظر الغربية طبعا- وتركيزها المستمر على حقوق المرأة، بينما لم يسمح للفتاة المحجبة الوحيدة بالحديث إلا نادراً. ليتحول الأمر إلى مهزلة واضحة عندما سعت المجموعة العربية جاهدة للمزايدة على قدرتها على استيعاب المفهوم الغربي للحضارة، في الوقت الذي بدا فيه أعضاء الأمريكيون فخورين بما لديهم وواثقين تماما عند الاعتراف بنواقصهم دون الحاجة لاستيراد الحلول من أحد.

3ـ عندما طرحت قضايا الجنس للحوار اضطرب الفريق العربي، وحاول الأعضاء المسيحيون إثبات تمسكهم بالأخلاق الشرقية التي لا تميزهم عن مواطنيهم المسلمين، أما الفريق الأمريكي فلم يقنع بهذه المحاولة وتساءل أحدهم إن كانوا يكذبون خشية الاعتراف بأخطائهم أمام آبائهم الذين يشاهدونهم، وأعتقد أنه كان محقا لأن الظاهر كان يشي بعكس ذلك، إذ كانت مظاهر الشباب العربي وقناعاتهم تجاهر بالتحرر والتغريب، باستثناء الاعتراف بهذه القضية الحساسة والتي يجدها الغربي نتيجة لا بد منها لكل هذه المقدمات.

4ـ في نهاية الحوار جاءت تعليقات كل من الطرفين على ما جرى في مكانها الطبيعي، فالأمريكيون أصروا على أن زملاءهم العرب قد تعمدوا التصنع والتظاهر، وعلق أحدهم بأنه أعجب بثقافة الفتيات العربيات ولكنه صُدم بعد ذلك بتشبثهن بالتقاليد (!)، أما العرب فقد عبروا عن إعجابهم بثقافة وحرية محاوريهم، وحتى مفاجأتهم باكتشاف القيم العائلية النبيلة التي يتشبثون بها.

بعد حوالي شهرين قدمت القناة حلقة أخرى لمجموعة من الشباب العرب العراقيين الذين تحاوروا مع مجموعة مماثلة في نيويورك، وقد وقعوا في الأخطاء السابقة نفسها، وزادوا عليها ترسيخا مؤلما لظاهرة الانهزام العربي في نفوس مجموعة منتقاة من الشباب، إذ كان من الواضح تماما عدم تمثيل مجموعة الشباب والفتيات العراقيين لمجتمعهم الذي كان قد خرج للتو من الحرب، حيث يتقنون الإنجليزية بطلاقة ويفكرون من منطلقات غربية بحتة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير