هذه بعض مواقف الراشد ذات النكهة الأمريكية المركزة، ولدي من مثلها الكثير والكثير. لكن مع معرفتي القديمة بنزعات الراشد وميوله الغربية الأمريكية، فإني لم أكد أصدق عينيَّ وأنا أقرأ ما ذكره في آخر مكاشفاته ـ صراحةً ودون مواربة ـ حين أعلن أن الأمريكيين والغربيين (فقط) هم القادرون على فهم دين الإسلام فهماً صحيحاً، لأنهم متى دخلوا في دين الإسلام فسوف يتوصلون إلى (إسلام بروتستانتي مطوَّر يقوم على أركان الإسلام الخمسة ببدلة وكرافتة، متسامح في حقوق المرأة والعلاقات الاجتماعية ومع الديانات الأخرى).
هذه عبارة الراشد نقلتها بحرفها, وهي مقولةٌ لا تشير إلى معضلة فكرية فحسب، بل هي إعلان رسمي بأن عقل الأستاذ وآليات التفكير لديه تكاد تتحوَّل إلى منطقة منكوبة.
هذا الكلام الأخير معناه أن الفهم العصري الصحيح لدين الإسلام، والذي سوف يرضى عنه عبدالرحمن الراشد لم يوجد إلى الآن، وأنه لا يمكن أن يوجد حتى يتفرغ الغربيون ليدخلوا في دين الإسلام ثم يفسروه لنا تفسيراً صحيحاً مطوراً وبروتستانتياً متسامحاً!
هذه النظرة الموغلة في التطرف لا تستحق الوقوف معها كثيراً، لكن الذي يعنيني منها أنها أسقطت دعوى الراشد التي أطلقها في الحلقة الثانية من المكاشفات حين زعم أنه كان يرى في والده النموذج الصحيح لعالم الدين، وأنه ليس لديه مشكلة مع المتدينين ولا مع الوهابيين القدماء، وإنما مشكلته فقط مع التيار الصحوي المتأخر. فمن الواضح الآن أن الراشد لديه مشكلة مع مسلمي المشرق كلهم لأنهم ـ في رأيه ـ يفهمون الدين فهماً خاطئاً يفتقر إلى التسامح البروتستانتي العظيم!
عبدالرحمن الراشد سبق أن كتب منتقداً الجنود المسلمين في الجيش الأمريكي الذين يمتنعون عن القتال ضد إخوانهم المسلمين في العراق أو أفغانستان، ولما سأله الأستاذ عبدالعزيز قاسم عن موقفه هذا، ذكر أنه فقط كان يشرح وجهة نظر (العالم الجليل) يوسف القرضاوي. وكأن الراشد نسي أو تناسي أنه سبق أن وصف ذلك (العالم الجليل) على صفحات الشرق الأوسط بأنه (زعيم فرقة التطرف)، وأن (له دوراً خطيراً في تخريب فكر المسلمين ودفعهم نحو الإيمان بالحرب والخطف والقتل) وأنه من (الشيوخ الحُمر) الذين يقومون بحركة انفصالية من خلال طرح أنفسهم بدلاء لمجامع الفتوى في العالم الإسلامي.
هكذا كان الراشد يصور القرضاوي لقرائه، لكن لما صدرت الزلة وأطلق القرضاوي فتوى أمريكية النكهة والهوى أحسَّ الراشد بطعمها وحلاوتها في حلقه، فتنبه حينئذٍ إلى أن القرضاوي: (عالم جليل) يستحق أن تفرد مقالة لشرح وجهة نظره.
مما تساءل عنه الأستاذ عبدالعزيز قاسم كثرة انتقادات عبدالرحمن الراشد لدولة قطر، مع أنها أنها دولة صغيرة ليس لها تلك الأهمية الكبرى التي تستحق كل هذه الضجة. أجاب الراشد بأن انتقاداته سببها حالة التناقض و (الشيزوفرينيا) التي تمارسها قطر حين تنادي بالحريات وتمنع الآخرين من نقدها، وحين تريد أن تكون فلسطينية ثورية وخليجية نفطية في وقتٍ واحدٍ. وقال الراشد إن الإعلام يبدِّد وقته في الحديث عن لبنان وهي أصغر من (قطر)، ويتحدث كثيراً عن (البحرين) مع أن (قطر) أكبر من البحرين (17) مرةً.
لكن الراشد لم يتفطن إلى أن حالة التناقض و (الشيزوفرينيا) القطرية ماهي إلا فرع عن حالة تناقض أوضح لدولة أكبر من قطر بأكثر من (850) مرةً.
الراشد يغضب ويعجب من (الشيزوفرينيا) القطرية، لكنه يهلل ويصفق لـ (الشيزوفرينيا) الأمريكية. هو يعجب من القطريين الذين يريدون أن يكون ثوريين وخليجيين في وقت واحد. لكنه لا يعجب من الأمريكيين الذين يريدون أن يكونوا حماة للحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه يريدون أن يكونوا أنصاراً لجرائم الصهاينة في فلسطين. وقد رأيت الأستاذ عبدالعزيز قاسم يلحُّ عليه في هذه النقطة، فلم يظفر منه إلا بإقرار واعتراف بوجود (أخطاء!) في السياسة الأمريكية في المنطقة!
ولعل الراشد لم يشعر بـ (الشيزوفرينيا) الأمريكية بسبب امتلاكه لـ (شيزوفرينيا) مشابهة لها. فقد رأيت التناقض والازدواجية ظاهرين في الكثير من كتاباته وطروحاته.
¥