ويقول سبحانه {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} القلم 44 - 45.
وقد اقتضت حكمة المولى عز وجل: أن يهيئ في هذه الحياة أسباب الفتنة في الدين ليميز الله المؤمنين من المنافقين ويبطل كيد الكافرين ويزيدهم كفراً, فمن ذلك أنه سبحانه يضرب في كتابه الأمثال مما يستخف به الناس فتتحقق بذلك الفتنة: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} البقرة 26 ومن ذلك ما أخبر الله تعالى عنه من عدد ملائكة النار: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} المدثر31، كما يفتن سبحانه الناس بالمتشابه من كتابه الحكيم فيتميز المؤمنون من الذين في قلوبهم مرض: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران7, ويفتن الناس بما يصيبهم من وساوس الشيطان: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الحج 53.
مضيفاً: أن هذه أمثلة وإلا فإن أسباب الفتن التي يهيئها الله للناس في هذه الحياة مؤمنين وكافرين كثيرة، ومن نعم الله علينا أنها مفصلة في كتاب الله تعالى غير مجملة ومن تدبر القرآن وجد من ذلك الشيء العجيب.
وقال إن مما يناسب مسألة فتنة الأخطبوط بول تهيئه سبحانه أسباب السحر وإعطاء شياطينه من القدرات ما أخبر به سبحانه وذلك من قبيل الفتنة كما نصت الآية: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} البقرة 102.
وقال: كل ما يتحقق على أيدي الكهان والمنجمين إنما هو من قبيل تهيؤ الله تعالى أسباب الفتنة لخلقه نسأل الله النجاة فمن استعصم بالإيمان فقد نجى ومن حركته هذه الفتن إلى ظن السوء بالله تعالى أو نسبة بعض صفاته كالقدرة وعلم الغيب إلى شيء من مخلوقاته فقد هلك والله المستعان.
وقد كانت أوثان العرب وهي جمادات تفتن الناس بمثل ما يحصل اليوم من هذا الأخطبوط ولذلك عبدوها لما بعدوا عن الإيمان اغتراراً بما يحدث عندها من كشف بعض الغيوب أو خوارق العادات.
وقد روى ابن سعد في كتاب الطبقات في أحداث عام الوفود عند حكاية وفد خولان أنهم كان لهم صنم يسمونه عم أنس وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما بلغ من فتنته؟
فذكروا له: أنهم أصابتهم سنة لم يروا مثلها فأتوا عم أنس ونحروا له ثلاثين عجلاً وتركوها على رؤوس الجبال للسباع والطير, قالوا: وإن أولادنا أحق بها من السباع والطير, ولم يلبثوا بعد صنيعهم هذا أن أغاثهم الله تعالى وأعشبت أرضهم حتى إن الراجل لا يرى بين ما أنبت الله من العشب.
وأشار الدكتور السعيدي إلى فتنة المسيح الدجال التي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها طويلا حتى إن الصحابة من شدة ما يحذرهم يصور لهم أنه في أخريات النخل, وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدراته التي يفتتن بها الناس, ومنها أمر السماء بالمطر وأمر الأرص بإخراج كنوزها وإحياء الموتى.
وخلص الدكتور السعيدي إلى القول إن الله تعالى قد يجري بعض الخوارق على من يشاء من خلقه فتنة للناس.
فأما المؤمنون فيزدادون إيماناً, ويمتاز المنافقون ومرضى القلوب عن المؤمنين، وأما الكافرون فتقوم عليهم الحجة بازدياد كفرهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ} آل عمران 90، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} النساء137.
فعلى المسلم أن يراجع دينه ولا تزيده أمثال هذه الفتن إلا ثقة بربه سبحانه وما اختص به جل وعلا من عظيم الصفات التي لا تنبغي لأحد من خلقه, فالله تعالى رغم ما أفكوا (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً).
¥