ـ[يحيى العدل]ــــــــ[14 - 04 - 02, 11:23 م]ـ
في يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر محرم لسنة ثلاث وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فنستأنف مجالس التحديث بعون الله تعالى:
المسألة الثالثة: هذا الحديثُ بهذِهِ الكَيفِيةِ يدخُلُ في نوعٍ بديعٍ من أنواعِ علُومِ الحدَيثِ وهُو مَا يُعرفُ بـ ((الأوائل)).
ويُمكن تقسيمُ هذا النوع إلى قسمين:
الأوَّل: ما يتعلَّقُ بأوائل مُتُون الأحاديث.
الثَّاني: ما يتعلَّقُ بأوائل الأسانيد.
وهذا على أنواع، منها:
1 ـ الأوَّلية بالنِّسبة لشُيوخ راوٍ معين.
2 ـ الأوَّلية بالنِّسبة لتلاميذ راوٍ معين.
3 ـ الأوَّلية بالنِّسبة لمكانِ السَّماع.
4 ـ الأوَّلية بالنِّسبة لزمان السَّماع.
قال ابن ناصرالدِّين: ((عُني بجَمعِهَا جَماعةٌ من الحُفَّاظ منهُم أبو القاسم سُليمان بن أحمد الطَّبراني، وأبو عَروبة الحُسين بن مُحمَّد بن أبي معشر الحرَّاني، وأبو الفرج عبدالرَّحمن بن علي بن الجَوزيِّ وغيرُهُم.
لكن لم يذكر واحدٌ منهُم في الأوائل المُصنَّفة ما ترجمته: ((فلانٌ أوَّل شيخٍ لقيه فلانٌ أخذ عنه))، ولا ((أنَّ فلانًا أوَّل من أخذ عنه فلان))، ولا: ((هذا أوَّل حديثٍ سمعه فلانٌ من فلان.
ومن الثَّاني: ما قال أبو غسَّان مالك بن إسماعيل النَّهديُّ سِبطُ حماد بن أبي سُليمان: سمعت ابن عُيينة يقول: أوَّل من جاءني يطلُب منِّي الحديث مِسعر.
وهذا فيه شرفٌ لسُفيان؛ لأنَّ مِسعرًا شيخُ سُفيان الثَّوريِّ، وسُفيان بن عُيينة وآخرين، وهذا من بَابِ روايةِ الأكابِرِ عن الأصاغِرِ.
ومن الأخير (وهو أوَّل حديثٍ سمعه فُلانٌ من فُلانٍ) حديث: ((الرَّاحِمُونَ يرحَمُهم الرَّحمن))؛ لأنه مُسلسلٌ بقول كُلٍّ من شُيوخنا فمن فوقهُم إلى سُفيان عن شيخِهِ: وهُو أوَّلُ حديثٍ سمعتُه منهُ، ويُقالُ لهذا الحديث: المُسلسل بالأوَّلية ... )). اهـ.
المسألة الرابعة: معرفةُ تسميتِهِ ومنْ سمَّاه:
وهَذِهِ المسْألةُ دَاخِلةٌ في النَّوع الثَّاني بعد المئة من أنْوَاعِ علُوم الحَدِيثِ: ((معرفةُ أسْماءِ وألقابِ الأحَاديث)) وهذا النَّوع من آخر ما زدتُ على أنواع علوم الحديث (بحمد اللَّه تعالى) وقد صنفت فيه كتابًا.
وقد اشتهرت تسميته بهذا الاسم: وأوَّلُ من رأيته سمَّاه عبدالكريم الرَّافعِي (623هـ).
ثم ابن الصَّلاح (642هـ) سمَّاه: بـ ((المُسلسل بأول حديثٍ سمعته).
وقال الذَّهبي في ((السير)): في ترجمة أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز المُهلبي النَّيسابُوري: ((بقيَّة المَشَايخ وتفرَّد في وقتِهِ وهُو راوي المُسلسل بالأوَّلية)).
وأورده ابن كثير في ((التفسير)) من طَريقِ الإمَامِ أحمَدَ ثمَّ قالَ: ((وهذا هُو الَّذي يُروى بتسلسُلِ الأوَّلية)).
وقال ابن ناصرالدِّين: ((والمُسلسل كثيرُ الأنواع، منها التسلسُل بقول الرَّاوي عمَّن روى عنه: وهُو أوَّل حديثٍ سمعتُهُ منهُ، كهَذَا الحديث، ويُسمَّى المُسلسل بالأوَّلية ... )).
وقال ابن حجر: ((حديثُ الرَّحمة الذي اشتُهر بالمُسلسَل بالأوَّلية أخرجه البُخَاريُّ في ((التاريخ))، وأبو داود، والتِّرمذي، والحاكم: من حديث عبداللَّه بن عَمرو بن العاص بلفظ: الرَّاحمُون يرحمهُم الرَّحمن ... الحديث)).
المسألة الخامسة: معرفةُ معنى تسميتِهِ ودلالتُهَا.
وهذه المسألةُ داخلة في النَّوع الثَّالث والثَّلاثين ((معرفةُ المُسْلسَل)).
والمُسلْسَل هُو نوعٌ من أنواعٌ علُوم الحَديثِ:
وهُو ما تتابعَ رُواته على صِفَةٍ أو حَالةٍ للرُّواةِ تارةً، وللرِّواية تارةً أُخرى.
وهو من صفات الإسناد.
ومن فضائله: الاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم).
ومن فوائده: بعدُهُ عن التدليس، والانقطاع، واشتمالُهُ على مزيد الضَّبط.
وقلَّما تسلم المُسلسلاتُ من ضعفٍ في وصف التسَلْسُلِ لا في أصل المَتنِ، وأصَحُّها مُطلقًا المُسلسل بسُورة الصفِّ، ثمَّ بالأوَّلية.
وقد صُنِّفت فيها المُصنَّفاتُ الكثيرة.
وهي أنواعٌ كثيرة لا تنحصر (كما قال ابن الصَّلاح).
قلت: قال مُحمَّد بن جعفر الكِتَّانيُّ (1345هـ): ((ومجموع الأحاديثِ المُسلسلة يزيد على أربعمئة)). اهـ.
ومنها الناقصُ والتَّامُّ (كما سيأتي في المسألة التالية).
وهذا الحَديثُ يدخُل في المُسَلْسَلاتِ النَّاقِصَةِ؛ فقد صَحَّ مُسلْسَلاً في طبقَاتِهِ جميعها سوى روايةِ تابعِ تابعِيَّهِ (سُفيان بن عُيينةَ) عن تابعِيِّهِ (عَمرِو بن دينار) عن تابعِيِّه (أبي قابُوسَ مولى عبداللَّهِ بن عَمرِو بن العَاصِ) عن صحَابِيِّهِ (عبداللَّه بن عَمرِو بن العَاصِ).
ومَدارُ هذا التسلسُل (الذي نطقت به ألسنةُ مِئاتُ المُحدِّثينَ) على تَبَعِ تَابِعِ تَابعِيِّهِ (عبدالرَّحمن بن بشرِ بن الحَكَمِ النَّيسابُورِيِّ) فهُو أوَّل من بَدَأَ بالأوليَّةِ.
تم هذا المجلس وإلى اللقاء في المجلس القادم (بإذن الله تعالى).
وكتبه / محبكم يحيى العدل.
¥