وتارةً يأتي الحديث، فيُقال مثلاًك تفرَّد به أهلُ البصرة، أو أهلُ الكوفة، أو يُقال: هذه سُنَّة تفرَّد بها أهلُ بلد كذا، ولأبي داود صاحب ((السُّنن)) مُصنَّف مُفرد في ذلك سمَّاه ((كتاب التَّفرُّد)) وذكر في ((سُننه)) شيئًا يسيرًا من ذلك.
وتارةً يأتي التفرُّد في إسنادٍ فيه راوٍ عن آخر، فيُقال عنهُما: فلانٌ عن فلانٍ، وتفرَّد عنه.
أي: لم يبقْ من يروي عن ذلِكَ الرُّجلِ من الموجُودين أحدٌ غيرُ ذلك الرَّاوي.
فتارةً يأتي مُطلقًا، وتارةً يأتي مُقيدًا ببلدٍ ونحوه.
وهذا القسم قد وقع من زمن الصَّحابة (رضي اللَّه عنهم) وهلُمَّ جرا، كأبي الطُّفيل عامر بن واثلة بن عبداللَّه بن عُمير الكنانيِّ اللَّيثيِّ (رضي اللَّه عنه) آخرِ من بقي على وجه الأرض من الصَّحابة (رضي اللَّه عنهُم) وأبوه واثلة صحابيٌّ (أيضًا) ولا يُلتفت إلى من ادَّعى الصُّحبة بعد ذلك أو ادُّعيت له.
ومنه ما روى الخطيب البغداديُّ في ((تاريخه)) عن أبي إسحاق المُستمليِّ عن مُحمَّد بن يوسف الفِربْري أنه كان يقولُ: سمع كتاب ((الصَّحيح)) لمُحمَّد بن إسماعيل تسعُون ألف رجُلٍ، فما بقي أحدٌ يروي عنه غيري.
وفي هذا نظرٌ، فقد ذكر أبو العباس المُستغفري جعفر بن مُحمَّد المُستغفري في ((تاريخ نسف)) والأمير أبو نصر عليُّ بن هبة اللَّه بن علي بن جعفر بن ماكُولا، وغيرَهُما: أنَّ آخر من روى عن البُخاريِّ ((صحيحَهُ)) أبو طلحة منصُور بن مُحمَّد بن علي البزْدويُّ النسفيُّ الدِّهقان المُتوفَّى سنة تسع وعشرين وثلاث مئة، وهو ثقةٌ، لكن ضُعِّفت روايته من جهة صغره.
والوجهان من التَّفرُّد: في سند هذا الحديث:
أحدُهُما: أنَّ سُفيان تفرَّد برواية هذا الحديث عن شيخه عَمرو، ولم يروه عن عَمرٍو غير سُفيان، ولا عن أبي قابُوسَ غير عَمرٍو.
والوجهُ الآخر: أنَّ سُفيان تفرَّد مُدَّةً في عصره بالرِّواية عن عَمرو بن دينار، والزُّهري وغيرهما. لم يبق على وجه الأرض من يروي عنهُم غيرُهُ.
وإذا كان في الإسناد مثلُ ذلك يقع عاليًا في الغالب.
وأكثرُ ما يقعُ في الإسناد من هذا النَّوع راوٍ أو اثنان.
وقد وقع لنا (بحمد اللَّه تعالى) حديثٌ منَّا إلى الصَّحابي تفرَّد كلٌّ من رواته عمَّن فوقهُ بالرِّواية عنه ويُسمَّى المُسلسلُ بالآخرية ... .
ولمَّا حدَّث سُفيان بهذا الحديث حين سمعه منه عبدالرَّحمن بن بشر كان قد تفرَّد بالرِّواية عن عَمرو بن دينار، وغيره.
وعبدالرَّحمن بشر بن الحكم بن حبيب العبديُّ النَّيسابُوريُّ مات في ثامن عشر شهر ربيعٍ الآخر سنة ستين ومئتين.
بعد وفاة شيخه سُفيان بن عُيينة باثنتين وستين سنة، فكأنَّهُ (واللَّه أعلم) آخر من روى عن سُفيان، وقد سمع هو وأبوهُ وجدُّهُ من سُفيان)).
تم هذا المجلس وإلى اللقاء في المجلس القادم (بإذن الله تعالى).
وكتبه / محبكم يحيى العدل.
ـ[يحيى العدل]ــــــــ[01 - 01 - 03, 05:00 م]ـ
نذكر الإخوة الفضلاء باستئناف مجالس التحديث .. وغدًا موعد المجلس السادس عشر بإذن الله تعالى.
وكتب أخوكم / يحيى (العدل).
ـ[يحيى العدل]ــــــــ[12 - 01 - 03, 08:52 م]ـ
في يوم الخميس التاسع والعشرين من شوال سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة وألف للهجرة الشريفة
المسألة الثَّالثةُ والثَّلاثون: ذكر ما في الحديث من صُور القلب.
هذه المسألة داخلةٌ في النَّوع الثاني والعشرين ((معرفةُ المقلُوب)).
وقد وقعت في هذا الحديث ثلاث صور:
الصَّورة الأولى:
أخرجه الخطيبُ: أنبأنا مُحمَّد بن أحمد بن رزق حدَّثنا أبو سعيد الحسن بن على بن مُحمَّد بن ذكوان البزَّاز يعرف بابن الزَّهراني حدَّثنا حسن الصَّائغ حدَّثنا الكُديميُّ قال خرجتُ أنا وعلى بن المديني وسُليمان الشَّاذكُونىُّ نتنزَّه ولم يبق لنا موضعُ مجلسٍ غيرُ بُستان الأمير وكان قد منعَ من الخُروج إلى الصَّحراءِ. قال: فلمَّا قعدنا وافى الأميرُ فقال خذُوهُم قال فأخذُونا وكنتُ أنا أصغرَ القوم سنًّا فبطحُونى وقعدُوا على أكتافى. قال: قلت: أيها الأمير اسمع منِّى. قال: هات. قلت: حدَّثنا عبداللَّه بن الزُّبير الحُميديُّ، حدَّثنا سُفيان بن عُيينة، عن عَمرو بن دينار، عن أبى قابُوسَ، عن ابن عباس عن النَّبي …: الرَّاحِمُونَ يرحمُهُم اللَّه، ارحَمْ من في الأرْضِ يرحمْكَ من في السَّماءِ. قال: أعدهُ عليَّ. قال:
¥