فتح ربِّ البريَّة في شرح الحديث المُسلْسَل بالأوَّلية (المجلس الثالث)
ـ[يحيى العدل]ــــــــ[18 - 04 - 02, 01:22 م]ـ
في يوم الخميس الخامس من شهر صفر لسنة ثلاث وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فنستأنف مجالس التحديث بعون الله تعالى:
المسألة السَّادسة: المقصود بالأوَّلية وأنواعها.
تسْمِيتُهُ بالمُسلْسَل بالأوَّلية لِما ذكرنا من تتابُع رواته على إسماعه وسماعه قبل أي حديثٍ.
والأوَّلية هُنا: إمَّا أن تكُونَ حقيقيةً، أو إِضَافيةً.
فالحقِيقِيَّةُ: أن يكُونَ أوَّلَ حَدِيثٍ سَمِعهُ من ذَلِكَ الشَّيخ.
والإضَافيةُ: أن يكُونَ هُناكَ للرَّاوي سماعٌ قبلَهُ من نفس الشَّيخ، وهُنا تلطَّف المُحدِّثونَ في إجازة هذا النَّوع من السَّماع وسَمَّوه ((أوَّليةً إضَافِيةً)) لكي يدخُلَ في شَرطِ التسَلْسُلِ.
ومن أنواع الأوَّلية: الأوَّلية المُقيَّدة. ولها ضُروبٌ:
منها ما له تعلَّقٌ بنوعِ الرِّواية والتحمُّلِ.
ومنها ما له تعلقٌ بالمَكَانِ.
ومنها ماله تعلقٌ بالزَّمَانِ.
وقد وقَعَتْ بصورها الثلاث في هذا الحَديثِ.
أولاً: أوَّليةٌ مُقيدةٌ بنوع الرِّواية.
وقع في الرِّواية قال ابن عُيينة: هذا أول حديثٍ أملاه علينا عَمرو بن دينار.
فالأوليةُ هُنا مُقيدة بالإملاء.
ومن أمثلتها روايةُ ابن ناصرالدِّين له: من طريق مُحمَّد بن الحسن بن المقدسيَّة، أخبرنا أحمد بن مُحمَّد الأصبهَانِيُّ وهُو أوَّل حديثٍ حضرتُه عنده.
وروايته الحديث من طريق أم مُحمَّد ست العرب بنة مُحمَّد بن علي، أخبرنا جدِّي أبو الحسن علي بن أحمد السَّعدي، وهو أوَّل حديثٍ سمعته منه حضُورًا.
فالسَّماع هنا مقيدٌ بالحضُور.
ثانيًا: أوَّليةٌ مُقيدةٌ بالمكان.
وقع في رواية الوزيري (كماسيأتي): قال أبو قابوسَ: هذا أوَّل حديثٍ رواه عبداللَّه بن عَمرو بالشَّام.
فالأوَّلية هنا مُقيدة بالشَّام.
ثالثًا: أوَّلية مُقيدة بالزَّمان.
رواه ابن ناصرالدِّين: من طريق الوَزِيريِّ (الآتي وهو متهمٌ): عن عبداللَّه بن عَمرٍو (رضي اللَّه عنهما): هذا أول حديثٍ سمعته من النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد خُطبة الوداع.
فالأوَّلية هُنا مُقيدةٌ بالزَّمان.
المسألة السابعة: معرفةُ نوع تسَلْسُلِهِ.
هذه المسألةُ داخلةٌ في النَّوع الثَّالث والثَّلاثين ((معرفةُ المُسلْسَل)).
تنبيه: سبق تعريف المُسلسل في المسألة (الخامسة).
والحَدِيثُ مُسلسلٌ من وجهينِ:
الأول: بالأوَّلية مقطُوعُ التسَلْسُل.
ويُسمى الناقِصُ: وهو ما انقطع فيه التسلسُل في بعض طبقَاتِهِ: إمَّا في الأوَّلِ أو الوَسَطِ أو الآخِرِ.
والثاني: وموصُول التسَلْسُل من غير انقطاعٍ.
ويُسمى التامُّ: وهو ما توارد فيه الرُّواة على التسلسُل من أوَّله إلى مُنتهاه كمُسلْسَل قراءة سُورة الصفِّ.
قال زينُ الدِّين العراقِيُّ:
ومنه ذو نقصٍ بقطْعِ السِّلْسِلَةْ:::::::: كأوَّليةٍ وبعْضٍ وصَلَهْ
وهذا الحَدِيثُ صحَّ مُسلسلاً عن مُحمَّد بن طاهر بن مَحْمِشٍ.
تابعه (كذلك) أبو يعلى حَمْزة بن عبدالعزيز بن مُحمَّد المُهلَّبي: عن أبي حامد بن بلال.
وزاد في تسلسُلهِ درجةً أبو عاصم عبداللَّه بن مُحمَّد الشَّعيريُّ، عن أبي أحمد هَاشِم بن عبداللَّه بن مُحمَّد السَّرَخْسِيِّ المُؤذِّن، عن أبي حامد بن بلالٍ، فوصل التسلسُلَ إلى سُفيانَ بقولِهِ: وهُو أول حديثٍ سمعتُهُ من عَمرو بن دينار.
ورُوي مُسلسلاً بدَرجةٍ أُخرى فوق هذه: من رواية أبي القَاسِمِ بشر بن مُحمَّد بن عبداللَّه المَيهنيِّ الخطِيبِ، عن أبي مُحمَّد هِشَام اللَّبان السَّرخسيِّ بمرُو، ثنا أبو حامد أحمد بن مُحمَّد الخشَّاب النَّيسابُوريُّ، ثنا أبو عبدالرَّحمن بشر بن الحَكَم، ثنا سُفيان بن عُيينةَ فذكره مُسلسلاً (كما أُشير إليه).
قال ابن ناصرالدِّين: ((وذِكْرُ بشرٍ والد عبدالرَّحمن في هذه الرِّواية بدل ابنه عبدالرَّحمن غَرِيبٌ)).
وكِلاهُما لا يَصِحُّ.
وورد موصُول التسلسُلِ إلى النَّبي (صلى الله عليه وسلم) من رواية أبي نَصْرٍ الوَزِيريِّ مُحمَّد بن طاهر بن مُحمَّد بن الحُسين بن الوَزِير الوَاعِظِ، عن أبي حامد البزَّاز.
¥