التي أبداها ابن تيمية مناسبة صحيحة غير مستلزمة للتجسيم، ولا مبنية عليه أصلاً كما ظنه ابن حجر، بل على صحة التجلي في المظهر مع التنزيه بليس كمثله شيء، وقد دل كلام ابن تيمية -عليه الرحمة- عموماً وخصوصاً على أن الحق سبحانه وتعالى يتجلى لما يشاء على أي وجه يشاء، مع التنزيه بليس كمثله شيء في كل حال، حتى في حال تجليه في المظهر، وهذا هو الغاية في الإيمان والعلم أيضاً] اهـ باختصار.)
(شعر (مميز 9 - العلامة أبو الثناء محمود الألوسي السلفي))
قال نجله أحمد في ترجمته المسماة [أرج الند والعود]: (شعر كان عالماً باختلاف المذاهب، مطلعاً على الملل والنحل والغرائب، سلفي الاعتقاد، شافعي المذهب كآبائه الأمجاد، إلا أنه في كثير من المسائل يقتدي بالإمام الأعظم، ثم في آخر عمره مال إلى الاجتهاد. . . ومن مؤلفاته ما هو أعظمها قدراً وأجلها فخراً: تفسيره المسمى بروح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، أيد فيه مذهب السلف الأماثل.)
قال في تفسيره [روح المعاني] (7/ص114 - 116) ما نصه: (شعر "وهو القاهر فوق عباده"
قيل: هو استعارة تمثيلية وتصوير لقهره سبحانه وتعالى وعلوه عز شأنه بالغلبة والقدرة، وجوّز أن تكون الاستعارة في الظرف بأن شبه الغلبة بمكان محسوس.
وقيل: إنه كناية عن القهر والعلو بالغلبة والقدرة.
وقيل: إن [فوق] زائدة، وصحح زيادتها وإن كانت اسماً كونها بمعنى على وهو كما ترى، والداعي إلى التزام ذلك كله أن ظاهر الآية يقتضي القول بالجهة، والله تعالى منزه عنها، لأنها محدثة بإحداث العالم وإخراجه من العدم إلى الوجود، ويلزم أيضا من كونه سبحانه وتعالى في جهة مفاسد لا تخفى.
وأنت تعلم أن مذهب السلف إثبات الفوقية لله تعالى كما نص عليه الإمام الطحاوي وغيره، واستدلوا لذلك بنحو ألف دليل، وقد روى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: [والعرش فوق ذلك، والله تعالى فوق ذلك كله]، وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استشفع بالله تعالى عليه: [ويحك أتدرى ما الله تعالى؟ إن الله تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، وقال بأصابعه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب]. وأخرج الأموي في [مغازيه] من حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة: [لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات]، وروى ابن ماجة يرفعه قال: [بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا إليه رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه]، وصح أن عبدالله بن رواحة أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياته التي عرض بها عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته، وهي:
شهدت بأن وعد الله حق. . . وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف. . . وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد. . . ملائكة الإله مسومينا
فأقره عليه الصلاة والسلام على ما قال وضحك منه، وكذا أنشد حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله:
شهدت بإذن الله أن محمداً. . . رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما. . . له عمل من ربه متقبل
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم. . . رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
وأنا أخا الأحقاف إذ قام فيهم. . . يقوم بذات الله فيهم ويعدل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [وأنا أشهد]، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: "ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم" أنه قال: [لم يستطع أن يقول: ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم]، والآيات والأخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى: "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم"، و "إليه يصعد الكلم الطيب"، و "بل رفعه الله إليه"، و "تعرج الملائكة والروح إليه"، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: [وأنت الظاهر فليس فوقك شيء] كثيرة جداً.
¥