له رسالة في الاعتقاد اسمها [مختصر المبتدئين في أصول الدين] اختصر فيها عقيدة النجم ابن حمدان الحنبلي المتوفى سنة 695 ومما قال أولها (ص66 مكتبة العمرين): (شعر وبعد: فلما رأيت عقيدة الإمام العالم العامل الزاهد الورع المحقق المدقق المتقن [أبي عبد الله أحمد] بن حمدان -رضي الله عنه وأرضاه وجعل بحبوحة الجنان مسكنه ومثواه- قد تُلُقيت بالقبول والتعظيم، وحظيت بالاحترام والتكريم، وكيف لا وهي من أنفع العقائد، وأجل الفوائد، وأعذب الموارد، وأجمع الشوارد، إلا أن فيها تطويلاً يمل منه غالب أهل هذا الزمان، وتعجز عن إدراكه أفهام أكثر أهل ذا الأوان، وتقصر عن حفظه همم أهل التّوان، فأحببت اختصارها إلى نحو ثلثها.) ففي هذا الكلام فائدة اشتهار تلك العقيدة في زمنه بالقبول، ومما قاله ابن حمدان في عقيدته: [نقول بحديث النزول مما سنده صحيح ولفظه صريح]، نقله الشطي في شرحه على [العقيدة السفارينية] (ص141 مع شرح ابن مانع).
قال البلباني (ص74 - 77): (شعر أسماء الله تعالى وصفاته قديمة توقيفية، فلا يجوز أن نسميه أو نصفه إلا بما ورد في الكتاب والسنة، أو عن جميع علماء الأمة، فنكفّ عمّا كفّوا عنه من التأويلات، ونقف حيث وقفوا، ولا نتعدى الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فكل ما صح نقله عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو جميع علماء أمته وجب قبوله والأخذ به وإمراره كما جاء وإن لم يعقل معناه.
فيحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره، كآية الاستواء، وحديث النزول، وغير ذلك إلا بصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة.
وهذا مذهب السلف قاطبة، وهو أسلم المذهبين وأولاهما، لموافقته لسلف الأمة وخيار الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين.
فلا نقول في التنزيه كقول المعطلة، ولا نميل في الإثبات إلى إلحاد الممثلة، بل نثبت ولا نحرف، ونصف ولا نكيّف.
فالإيمان على مقتضى ذلك واجب من غير ردّ ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تجسيم، ولا تأويل على مقتضى اللغة.
وأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان: هذا اعتقادي في السر والإعلان، ولا يسعني خلافه إلى أن ألقى الملك الديان، المنزه عن مشابهة شيء من الأكوان، فالذي أدين الله به وأرجو أن ألقاه عليه الوقوف عن تأويلات الصفات وأحاديثها وما شابهها، إلا أن يكون واردا في الكتاب والسنة، أو تجتمع عليه علماء الأمة، اتباعاً لإجماع السلف الصالح واقتداء بهم.
وإني ولله الحمد من حين نشأت على هذا الاعتقاد، وقد زادني محبة له وتمسكاً به؛ وأكّده عندي؛ أني رأيت في المنام إمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه، فأخبرته باعتقادي؛ فأقرني عليه، وشافهني بأن التأويل بغير ورود إجماع غير جائز، بل أفهمني أن ما نقله عنه أصحابه من امتناع التأويل هو مذهبه لا غير، حتى سألته عن الاستدلال بكلام الأخطل وغيره مما استدل به أهل التأويل، فغضب من ذلك غضباً بليغاً وأعرض عني وتغيّر لونه، ثم قال: لا يجوز ذلك ولا يصح، وأشار إليّ بالاعراض عن جميع ذلك، وأفهمني أنه لا يجوز قياس أسماء الله وصفاته ولا تخريجها على شيء من ذلك أصلاً، مع أنني كررت مراراً ذلك عليه وهو لا يجاوبني إلا بمثل ذلك، وهذا وشبهه هو الذي كان عليه في حياته كما نقل عنه أصحابه، وكانت هذه الرؤيا في أواخر ذي القعدة سنة 1049 وهي رؤيا حق.)
ثم قال البلباني (ص77 - 78): (شعر والحاصل أن الصحابة والتابعين وتابعيهم اكتفوا بالإيمان بجميع ما ورد في لكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته، مع إمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا تعرض لتفسيره أو تأويله بلا ورود.
ولو كان تفسير ذلك أو تأويله واجباً لبيّنه صلى الله عليه وسلم، ولما تركه الصحابة رضي الله عنهم، إذ لم ينقل عنهم ما يدل على ذلك، مع أنهم أعلم الأمة وأعرفها بذلك وغيره بالإجماع.
وسكتوا عنه مع أنهم هداة الأمة وأئمتها، فلو كان تمام إيمانها ورشاد الدين موقوفاً على شيء من ذلك لبيّنوه ولم يسعهم كتمه.
وإذا كان كذلك فليسعنا ما وسعهم، فنسكت عما سكتوا، ولنكف عما كفّوا، لأنه أهون وأسلم، وأصون وألزم، والله أدرى وأعلم، وأعز وأكرم.
إذا علمت هذا فاعلم أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه لا شبيه له في ذاته، لا شبيه له في صفاته، فصفاته معلوم وجودها، ولا يعلم حقائقها إلا هو سبحانه، ونحن نضرب عن كيفيتها، فمذهب أهل السنة حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين، وهو إثبات الأسماء والصفات مع نفي التشبيه والأدوات.)
ولمحقق الكتاب كلام جميل في شرح كلام المؤلف ببعضه، والتوفيق مما قد يتوهمه البعض تناقضاً ومخالفة.
ففي كلامه إبطال للتأويل وتنزيه واضح، ولا يقال تعطيل، لقوله بأنه لا يقول بتعطيل المعطلة، بل يثبت ولا يحرف، وصرح أن الكلام في الصفات فرع من الكلام في الذات، وصرح أنه متبع لمذهب السلف، وهو معلوم، فيجب أخذ كلامه في الصفات كاملاً بلا اقتطاع ما قد يناسب المعطلة والجهمية.
هذا والبلباني في عقيدته مع كونها محتصرة مجردة عن الأدلة والنقول غالباً، إلا أنه نقل في الاعتقاد عن ابن تيمية (ص99) ونعته بشيخ الإسلام.
وفي رسالة ابن بلبان بعض المصطلحات المتأثرة بالأشعرية الغالبة في زمنه، إلا أن مجمل كلامه يرد لمفصله مما نقلت، وكان شيخه عبد الباقي الحنبلي أصرح وأقل مداراة لزمانه، وشيخه مرعي الكرمي كان أصرح منهما.
¥