ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[17 - 09 - 03, 11:35 م]ـ
الاخوة الافاضل بارك فينا وفيكم وجمعنا وإياكم على الخير
موضوع الحفظ وما يتعلق به موضوع مهم جدا
ولأهميته فقد أفردته في كتاب طبعته دارالبشائر عنوانه: حفظ الله السنة وصور من حفظ العلماء لها وتنافسهم فيها.
كل هذه التساؤلات التي طرحتموها وغيرها تجدون جوابها في هذا الكتاب المذكور.
وهذه مقدمة الكتاب أضعها بين ايديكم ريثما يصل الكتاب من بيروت:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إنا نحمدك على ما جدت به من عطايا، وحفظت من رزايا، ومننت من نِعَم؛ جعلتنا خير أمة أخرجت للناس، وحفظت لنا ديننا من الدثور والاندراس، وكنتَ أتممتَ علينا المنَّةَ مِنْ قَبْل بِبِعثَةِ محمد صلى الله عليه وسلم مُعلماً ومُزكياً ورَسولاً نَبياً، فبدَّدَتَ به دياجير الظلم، وأحييتَ به علو الهمم، وأثَرَتَ كوامننا للانتباه إلى ما جاء به من حِكَم، ورفعتنا بدينه إلى القِمَم، وانْتَشَلْتَنَا باتِّبَاعِه مِن مَهاوي الخزي والندم، ومهما عددنا نعمك علينا فلن نحصيها عَدَّاً، أو نبلغها شُكراً وحَمْداً:
وفضل الله جمُّ لا يعيه جنان فتىً فينظمه خطابا
ولا يسطيع إنسان قؤول وإن فتحت له الكلمات بابا
وإن سالت له الأمواج حبرا وأعطي حِكمة وكذا صوابا
وإن سارت له الأشجار طرا يراعا كي يؤلفه كتابا
بأن يحصي مديحا أو ثناءا فيبلغ حقه فينا ثوابا
ولكن نسأل الرحمن حفظا وتوفيقا يجنبنا المعابا
وأشهد أن لا إله الا الله تكفل بحفظ الدين، وصان شرعه عن انتحال المبطلين، وافتراءات الجاهلين، وتحريفات الغالين.
وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله , اختصه الله بالذِّكر والهدى، ما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أنزل الله عليه وحياً من السماء يتلى، وأدرج بين جنبيه وحياً يُنقل ويُروى، فنفى بهما عن أمته الضلالة والغي، وفتح الله بهما أعيناً عُمْياً، وآذاناً صُمَّاً، وقُلوباً غُلْفاً.
اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه، ومن تتبع سنته، وبلّغ حديثه، وحفظ آثاره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فَما زِلتُ منذ انفتقت أفهامي مشدوهاً أمام ما يُذكر في تراجم السادة المحدثين من حفظٍ تقصر دونه الآمال، وإنْ ساعدتها الآجال، وكنتُ كلما أدرت قِصَصَهُم في تلافِيفِ مُخِّي، وحكَكْتها بجذيِّل عَقلي، ازددت حيرة من شدة حفظهم، وأيقنتُ أنهم صنيعة إلهية شاءها الباري عز وجل ليحفظ بهم هذا الدين، ويوصله الى الآخِرين، وكنتُ أعلم أنهم – بالرغم عن ما يروى عنهم – لا يعدو أنْ يكونوا حالات بشرية لم تتصف بعدُ بأي شيء من الصفات الأخروية، وإنما صقلهم الاصطناع على عين الرب، والاصطفاء لنفسه ودينه، ليحقق بذلك وعده الخالد، في كتابه المُعْجِز (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ولذا كُلَّما كان الناظر في سيرهم وأخبارهم لا حظاً هذه المعاني اللطيفة، والتدابير الخفيّة، كان أدعى لتقوية يقينه، واطمئنان قلبه، وهضم حقوق نفسه، وعَلِم لم كان النظر في تراجم الرجال أحبَّ إلى كثيرين من النظر في كتب المسائل، فالعلم بالأحوال مثير للأعمال.
ولقد جرَّني الشغفُ بهم وبتراجمهم إلى تتبع أحوالهم، والتنقير عن أخبارهم، وتقييد ما يَتعلّق بالحفظ والمذاكرة ونحوها، قاصداً من وراء ذلك بعثَ الروح في همتي المتطامنة، و إحياء الجد في طلبي المتواني.
فتخلَّصتْ عندي قُصَاصَات كثيرة، وكَرَاريس عدة، مليئة بالإحالات إلى مواطن الحفظ من تراجم السادة الأعلام، وغص بها سِفْط كنت أعددته لمثل هذه المسودات.
وكنت على طول طريق المطالعة لا أكادُ أقف على شيء من ذلك إلا قيدته وألحقته بموضعه من السِفط، ثم حانت مني همّة التفتت إلى هذا السفط، وصنّفت محتوياته في أضابير بحسب موضوعاتها، وكنتُ كثيراً ما أقف عند بعض الأخبار والحكايات، كأني لم أكن قرأتها من قبل، وكأن كاتبها غيري!!.
¥