قال الخَطِيب: وسمعتُ ابن الفَرَّاء يحتجُّ لذلكَ بقوله ? لمَّا أمَّر زيدًا على غزوة مُؤتة: «فإنْ قُتلَ زيدٌ, فجعفر, فإن قُتلَ جعفر فابنُ رَوَاحة» (837). فعلَّق التأمير.
قال: وسمعتُ أبا عبد الله الدَّامغاني يُفرِّق بينها وبين الوكَالة, بأن الوكيل يَنْعزل بعزل المُوكل له, بخلاف المُجَاز.
قال العِرَاقيُّ: وقد استعمل ذلك من المُتقدِّمين: الحافظ أبو بكر بن أبي خَيْثمة صاحب «التاريخ» وحفيد يعقُوب بن شيبة.
فإن عُلِّقت بمشيئة مُبهم, بطلت قطعًا.
ولو قال: أجَزتُ لمن يَشَاء الإجَازة, فهو كأجَزتُ لمن يَشَاء فُلانٌ, وأكثر جَهَالة, ولو قال: أجَزتُ لمن يَشَاء الرِّواية عنِّي, فأوْلَى بالجَوَاز, لأنَّه تصريحٌ بمُقْتضَى الحَالِ, ولو قال: أجَزتُ لفلان كذا إنْ شَاء روايتهُ عنِّي, أو لكَ إنْ شئتَ أو أحْبَبتَ, أو أردتَ فالأظْهر جَوَازه.
[ولو قال: أجزتُ لمن يشاء الإجازة, فهو كأجزتُ لمن يشاء فُلان] في البُطْلان, بل [وأكثر جهالة] وانتشارًا من حيث إنَّها مُعلَّقة بمشيئة من لا يحصر عددهم.
[ولو قال: أجزتُ لمن يشاء الرِّواية عنِّى, فأولى بالجَوَاز, لأنَّه تصريح بمُقتضى الحال] من حيث أنَّ مقتضى كل إجازة تفويض الرِّواية بها إلى مشيئة المُجَاز له, لا تعليق في الإجَازة, وقاسهُ ابن الصَّلاح على: بعتُكَ إن شئت.
قال العِرَاقي: لكن الفرق بينهما تعيين المُبْتاع, بخلافه في الإجَازة فإنَّه مُبْهم.
قال: والصَّحيح فيه عدم الصحة, قال: نعم وزانه هنا أجزتُ لك أن تروي عنِّي إن شئت الرِّواية عنِّي, قال: والأظهر الأقوى هُنَا الجَوَاز, لانتفاء الجَهَالة, وحقيقة التَّعليق. انتهى.
وكذا قال البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح» (838) وأيَّد البُطْلان في المسألة الأولى, ببطلان الوصية والوكالة فيما لو قال: وصَّيت بهذه لمن يشاء, أو وكلت في بيعها من شاء أن يبيعها. قال: وإذا بطلَ في الوصية, مع احتمالها ما لا يحتمله غيرها, فهنا أولى.
[ولو قال: أجزتُ لفلان كذا إن شَاء روايته عنِّي, أو لك, إن شئتَ, أو أحببتَ أو أردت, فالأظهر جَوَازه] كما تقدَّم.
الخامس: الإجَازةُ للمعدُوم, كأجزتُ لمن يُولد لفُلان, واختلفَ المُتأخِّرون في صحَّتها, فإن عَطَفه على موجُود, كأجزتُ لفُلان, ومن يُولد له, أو لكَ ولعَقِبكَ ما تَنَاسلُوا, فأوْلَى بالجَوَاز, وفعل الثَّاني من المٌحَدِّثين أبو بكر بن أبي داود, وأجَازَ الخَطيب الأوَّل, وحكاهُ عن ابن الفَرَّاء وابن عمرُوس, وأبْطَلهَا القَاضي أبو الطَّيب وابن الصبَّاغ الشَّافعيان, وهو الصَّحيح الَّذي لا ينبغي غيره.
[الخامس: الإجَازة للمعدوم, كأجزتُ لمن يُولد لفلان, واختلف المتأخِّرون في صحتها, فإن عطفهُ على موجود, كأجزتُ لفُلان ومن يُولد له, أو لك] ولولدك [ولعقبك ما تَنَاسلُوا, فأولَى بالجَوَاز] ممَّا إذا أفرده بالإجَازة, قياسًا على الوقف.
[وفعل الثَّاني من المُحدِّثين] الإمام [أبو بكر] عبد الله [بن أبي داود] السِّجستاني, فقال وقد سُئل الإجَازة: قد أجزت لكَ, ولأولادك, ولحبل الحبلة. يعني الَّذين لم يُولدوا بعد.
قال البَلْقيني: ويُحتمل أن يَكُون ذلك على سبيل المُبَالغة, وتأكيد الإجَازة, وصرَّح بتصحيح هذا القسم القَسْطلاني في «المنهج».
[وأجَاز الخَطيب الأوَّل] أيضًا وألَّف فيها جُزءا, وقال: إنَّ أصحاب مالك وأبي حنيفة أجَازُوا الوقف على المعدُوم, وإن لم يكن أصله موجودًا.
قال: وإن قيلَ: كيف يصح أن يَقُول: أجَازني فُلان, ومولده بعد موته, يُقَال: كما يصح أن يقول: وقف على فُلان, ومولده بعد موته.
قال: ولأنَّ بُعد أحد الزَّمانين من الآخر, كبعد أحد الوطنين من الآخر.
[وحكاه] أي الصحَّة, فيما ذكر [عن ابن الفَرَّاء] الحنبلي [وابن عمرُوس] المالكي, ونسبه عياض لمُعظم الشيوخ.
[وأبْطَلها القَاضي أبو الطَّيب وابن الصَّباغ الشَّافعيان, وهو الصَّحيح الَّذي لا ينبغي غيره] لأنَّ الإجَازة في حُكم الإخبار جملة بالمُجَاز, فكما لا يصح الإخبار للمعدُوم, لا تصح الإجَازة له.
أمَّا إجَازة من يُوجد مُطلقًا, فلا يَجُوز إجْمَاعًا.
وأمَّا الإجَازة للطِّفل الَّذي لا يُمَيِّز, فَصحيحةٌ على الصَّحيح, الَّذي قطعَ به القَاضي أبو الطَّيب والخَطِيب خِلافًا لبعضهم.
¥