تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شكوى أبي حيّان من كثير من مسندي زمانه!

ـ[العاصمي]ــــــــ[22 - 01 - 06, 08:11 م]ـ

قال أبو حيَّان - رحمه الله تعالى -:

" ولقد سلك أهل هذه البلاد (1) في سماع الحديث، طريقا غير الطريق التي سلكها أهل الأندلس؛ من سماعهم على العوامّ الجاهلين ما يُقرأ عليهم، و على الفساق والمتظاهرين بالفسق، ويسمعون بقراءة اللّحّانين الذين لا يقيمون الإعراب؛ فيدخلون في حديث " من كذب عليّ متعمّدا؛ فليتبوّأ مقعده من النار ".

وأما نحن في بلادنا (2)؛ فلا نسمع الحديث ولا نرويه إلاّ عن أهل العلم و العدالة، وبقراءة المُعْرِبين، ولا يحضر الأطفال السماع ... (3) ينشأ الواحد منهم ... فإذا أكثر من السماع؛ لحِقَه من الزَّهْو و الكِبْر؛ ما جعله يعلو به الأفاضل والعلماء ... و أكثرُ علمِه أن يعرف أن الجزء الفلاني يرويه الشيخ العاميّ (فلان)، و أن موفّقيّة ـ مثلا ـ انفردت بالسماع عن [النقار] (4) وابن دينار، وأنّ فخر الدين ابن البخاريّ آخر من حدّث بالإجازة عن ... الخشوعي ... و بعد هذا كله؛ فإنَّا لمَّا وردنا مصر وجدناهم يروون عن كل من دبَّ ودرج؛ فسلكنا مسلكهم ... و قد أنشدني أبو الحسن علي بن إبراهيم ... لنفسه:

إن الذي يروي و لكنّه - - - يجهل ما يروي و ما يكتب

كصخرة تنبع أمواهها - - - تسقي الأراضي و هي لا تشرب

نقله الزركشي في نكته، وختم نقله بقوله: 1/ 49: (هذا آخر كلام الشيخ) ".

هذا كلام أبي حيّان في ذاك العصر الذهبيّ الزاهر؛ فماذا يقال الآن في وقتنا الذي آل البغاث فيه يستنسر، وكاد العلم بذا الشأن يستدبر!

ومن أغرب ما مرَّ بي: أنّي رأيتُ في مطبوعة " البحر الذي زخر" 1/ 261ـ262 هذا الكلام معزوّا إلى ابن حبّان، وقد كان السيوطيّ تصرّف في سياق ألفاظه ... وقد تسرَّع المعلّق (الفاضل) على " البحر "؛ فجزم أنه من كلام محمد بن حبّان أبي حاتم البُستي (ت 354)!

ولو أنعم النظر، وأجال الفكر، وتدبّر في ذلك الكلام المنقول؛ لظهر له غلط ما توهّمه، و لو رجع إلى " النكت " 1/ 45، 46ـ49 للزركشي؛ لرأى تصريحه بأنه من كلام الشيخ أثير الدين أبي حيّان، وفي غضون كلامه دلائل واضحة على استحالة أن يكون من كلام ابن حبّان البُستيّ، و فيه عبارات إنّما شاعت و ذاعت في كلام المتأخّرين، و هي بعيدة ـ البعد كلَّه ـ عن نَفَس ابن حبّان المعروف، و أسلوبه المألوف ...

فهل يمكن أن يذكر ابن حبان البستيّ موفّقيّة، وابن البخاريّ، وأنّ عليّ بن إبراهيم أنشده ذينك البيتين = هذا مُحال (من نسج الخيال)، لا يتصوّر إلاّ لو كان ابن حبان قد بُعِث في القرن الثامن، بعد أربعة قرون من إدراجه في قبره!!

ومن غرائب الاتفاقات: أن كلام أبي حيّان صاحب " البحر " (5)، نُحِل إلى أبي حيّان المتفلسف المتهم بالزندقة، وكلامه النفيس العزيز المنتقد على مسالك متأخري المحدثين بمصر ... جُعِل ـ بتصحيف مصحّف ـ من كلام ابن حبان البستيّ الأفغانيّ!

وخرج أبو حيّان النحويّ ـ بعد جدّه و كدّه ـ من " بحر " السيوطي، صفر اليدين، ولا بخُفَّيْ حُنَيْن، مسلوبا من أبكار أفكاره، و نتائج بحوثه و أنظاره؛ فأحسن الله عزاءه، وأعظم جزاءه.

وهذا جهد المقلّ، في محاولة ردّ بعض حقّه، و إرجاع مستحقّه، قُمْتُ في ذلك وكيلا متطوّعاً، ومحامياً متبرّعاً، وأسفي أنّني لم أدركه؛ حتى أعزّيه كفاحاً، على ما سُلِبَهُ من حقوقه المعنويّة، التي تناستْها وأغفلتها المحاكم الشرعيّة والوضعيّة (!).


1ـ يعني: مصر، التي نزلها، و أقام بها.
2ـ يعني: الأندلس، و يا بُعدها عن (بُسْت) الأفغانيّة، بلد ابن حبّان!
3ـ هذا كله، لم ينقله السيوطي في " بحره ".
4ـ في مطبوعة " النكت " 1/ 47: " عن الثقات "!
5 - نقلته في " صيانة الفضلاء "، ولا مناسبة لإعادته هنا.

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[22 - 01 - 06, 08:38 م]ـ
"
لا فُضَّ فمُك، ولا جفَّ قلمك.
"

ـ[العاصمي]ــــــــ[22 - 01 - 06, 08:53 م]ـ
أخي الفاضل الودود! أخشى أن يجفّ قلمي المتداعي، وأترك الكتابة ضربة لازب؛ من جرّاء ما أراه من انتشار الهنبثات المتناسلات، لا أراك الله مكروها، وأعاذني وإيّاك من كلّ ما يستاء منه اللّبيب، ويستحي منه الأريب!

ـ[عصام البشير]ــــــــ[22 - 01 - 06, 09:38 م]ـ
فإذا أكثر من السماع؛ لحِقَه من الزَّهْو و الكِبْر؛ ما جعله يعلو به الأفاضل والعلماء ... و أكثرُ علمِه أن يعرف أن الجزء الفلاني يرويه [ COLOR="Red"] الشيخ العاميّ (فلان)، و أن موفّقيّة ـ مثلا ـ انفردت بالسماع عن [النقار] (4) وابن دينار، وأنّ فخر الدين ابن البخاريّ آخر من حدّث بالإجازة عن ... الخشوعي ...

جزاكم الله خيرا.
نقل موفق - إن شاء الله.
وقد رأينا من مثل هذا - بل أشد - ما يخشى معه ضياع العلم، وانحراف طريقه.
ووالله قد رأيت من يحصي المئات في مشيخته، وقد جمع له من ذلك ثبتا ضخما، ويحليه مريدوه بالمسند، بل بالعلامة؛ وهو لا يستحق مرتبة طالب العلم، فضلا عن مرتبة العالم.
والله المستعان.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير