لقد جئته مستبقياً سبب جوده أناديه يا من قد شغفت به حبا
بجدك ذي الخلق العظيم ومن سما على الرسل إذ كل لدعوته لبا
بوالدك الكرار باب علوم من أماط عن التوحيد في بعثه الحجبا
بريحانتي خير الوجود وفاطم وما قد حواه ذلك البيت من قربى
أتيتك يا شيخ العواجز راجيا منائحك العليا التي تنعش القلبا
أيدعشني يا آل طه بحيكم خطوب وإني قد عرفت بكم صبا
أحبة قلبي ما لعثمان ملجأ سواكم وأنتم ملجأ الكون في العقبى
عليكم صلاة الله ما انهل وابل بواسط أو هبت بأرجائها النكبا
وأبياته كثيرة، وقصائده شهيرة، أطال الله بقاه آمين انتهى. هذا ولما سافرت إلى الآستانة العلية، في أوائل ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وست هجرية، اجتمعت بهذا المترجم ذي الشمائل البهية، فرأيته شاعر الزمان، وناثر الأوان، يصبو القلب إليه ويحن، وينثني له غصن البراعة ويرجحن، ففي أوصافه للروح عبق، ومن ألطافه يروق كأس المصطبح والمغتبق، وله أخلاق أقطعها الروض أنفاسه، وشيم يتنافس بها المتنافسون لطافة ونفاسة، وقد أنشدني أفانين من غزلياته، تعزل برونق الصدغ في لباته، وأطربني في ألحانه، ولا إطراب الخمار بحانه، يتلاعب بصوته تلاعب الأنامل بالأوتار، ويحرك القلوب إلى أن تكشف عن محيا غرامها حجب الأستار، وكانت أريحيات غرامه تستفزه وصبوة مدامه تستهزه، فلا يزال، هائماً بغزال، ولا يريم، عن عشق ريم، وشعره يشعر بأنه حليف الجوى، ويعرب عن حاله إعراب الدمع عن مكتوم سر الهوى، ولطفه أرق من العتاب بين الصحاب، وأوقع من الراح ممزوجاً بماء السحاب، ولله در حينما شكالي العذول والهجر والصدود وشداني على صوت الكمام وصوت العود: لو أن بالعذال ما بي ما عنفوني بالتصابي
كلا ولو ذاقوا الهوى مثلي لما ملكوا خطابي
ويلاه من بعد المزا ر فإنه شر العقاب
قسماً بخلوات الحبيب وطيب وقفات العتاب
وتذللي يوم النوى لمنيع ذياك الجناب
وبوقفتي أشكو هوا ي له بألفاظ عذاب
أبكي وأسرق أدمعي خوف العواذل في تباب
ما للمحب أشد من نار التباعد من عذاب
بأبي غزال لين الأ عطاف معسول الرضاب
مياس غصن قومه يزري ببانات الروابي
ريان من ماء الصبا سكران من خمر الشراب
جعل التجافي دأبه وجعلته وهواه دابي
قال العواذل عندما أبصرن بالأشواق ما بي
قد كنت من أهل الفصا حة لا تحول عن الصواب
فأجبتهم والقلب من نار الصبابة في التهاب
الحب قد أعيا فصيح القول عن رد الجواب
وتراه إن حضر الحبيب لديه يأخذ في اضطراب
وغير هذا كثير، لا يكاد يحصيه قلم التحبير، وعلى كل حال فهو حلية العصر، ونادرة الدهر، قضي له بالأدب الوافر منذ طلع من مهده طلوع البدر السافر، فظهر رشده قبل أوانه، ولا ريب أن الكتاب يعرف بيانه من عنوانه. وقد أسمعني من نثره خطبته التي ابتدأ بها تخميسه لقصيدة المرحوم عبد الباقي أفندي العمري المسماة بالباقيات الصالحات وهي:
أحمد من أسبغ علينا من سوابغ المانحات نشبا، وبلغنا بالباقيات الصالحات أربا، ونظمنا في سلك مدائح أهل العبا، وأصلي وأسلم على حبيبه المجتبى، وآله الذين تمدهت بهداهم فدافد وربا، وصحبه الذين بمجاراتهم جواد الضلال كبا، وبعد فيقول العبد العاجز الفقير، ذو الباع القصير، المتوسل لعلاه بحب آل علي، عثمان بن الحاج عبد الله الرفاعي الموصلي: لما كانت مدائح آل المصطفى هي من أعظم الوسائل، للنجاة يوم العرض والمسائل، وكان ممن أحرز قصب السبق في هذا المضمار، الجدير بأنواع الفضائل والفخار، فاروقي الأرومة والنجار الذي اشتهر بالآفاق، وفاق أدباء عصره على الإطلاق، المرحوم عبد الباقي أفندي الموصلي وذلك في قصيدته البائية الموسومة بالباقيات الصالحات التي تنشر لديها برود القصائد، وتنثر عندها أفئدة الفرائد، وكانت كالعروس العذراء، ما اقتضها شاعر، ولا اقتحمها ناثر، لما تحصنت به من حسن السبك والإنشاء، خصوصاً فيما أثارته من مؤثرات الرثاء، والمعفر بغباره وجه الغبراء، قدمت على تخميسها مقراً بعدم استطاعتي، وقلة بضاعتي، وذلك لكوني محب بيتهم، ومقتبساً من نور زيتهم، فهذا شمرت ساعد الجد لتسميطها طلباً للثواب، ومحبة لآل النبي الأواب، وأسأل المولى جل وعلا، أن يتقبل منا قولاً وعملاً، ويجعلنا مظهر قوله تعالى: "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً"، ثم قال التخميس العبهري على بائية العمري، وهو: مذ شب زند الفكر بعد أن خبا قمت لمدح آل طه معربا
مسمطاً أوصافهم فيما احتبى هذا الكتاب المنتقى والمجتبى
في نهت آل البيت أصحاب العبا
تجلب للكونين أوفى غيرة بشرح رزء نال خير عترة
من قبل أن تحويه أغلى فكرة بالقلم الأعلى بيمنى قدرة
في لوح عزة بنور كتبا
روض معانيه غدا مؤرجاً مذ جدولت أسطره نهر الحجا
جبينه بالحسن قد تبلجا لاح به فرق العلا متوجا
مرصعاً مكللاً مذهبا وقد غدا حاجبها مزججا
وطرفها أمسى كحيلاً أدعجا وثغرها أضحى بسيما أفلجا
وكمهاً مطرزاً مدبجا وعقدها منقحاً مهذبا
عذب على التالي يسوغ حفظه
يلتذ مهما جال فيه لحظه صفا وطاب واستلان غلظه
فرق معناه وراق لفظه يحكي صفا الودق إذا ما انسكبا
حور معانيه الحسان لم تزل تلبس من مدائحي أبهى الحلل
إذ صغت من تفصيل هاتيك الجمل ثنا إذا أنشدته له ثنى ال
وجود عطفاً وتهادى طربا غصن مديحي ماس في رطيبه
كأنما نشر الكبا يسري به مذ فاح نفح الطيب من ترتيبه
ريح الصبا تضمخت بطيبه بطيبه تضمخت ريح الصبا
¥