وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) ([20])، فكيف بإجلال العالم الحافظ لكتاب الله، والحافظ لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحيا الله به السنة، وأمات به البدعة، لا شك أنه أحق، وإجلاله إجلال للدين، وإذا ذكر العالم بوصف التشريف والتكريم أحست الناس بهيبة العالم، وأحست بمكانة العالم، وإذا ذُكِر كما يُذكر عوامّ الناس، لم يُفرّق بينه وبين العوام، فهذه مظلمة في حق العلماء –رحمة الله عليهم-، وهذا يستوي فيه الأحياء والأموات، ما دام أنه عالِم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُجَل وأن يُكرّم.
المَعْلَمْ الثالث: أن يعتني بردّ الجميل لهم:
من نحن لولا الله جل جلاله، ثم علم هؤلاء العلماء .. ؟! ومن نحن لولا الله ثم هؤلاء الأئمة الذين فسروا كتاب الله وبيّنوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقفوا عند كل كلمة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ... بيّنوا حلالها وحرامها .. وبيّنوا ناسخها ومنسوخها .. وبيّنوا حدودها ومحارمها .. وبيّنوا حقوقها وواجباتها –رحمة الله عليهم-، أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يسبغ عليهم شآبيب الرحمات، وأن يوجب لهم علوّ الدرجات، وأن يجمعنا بهم في رياض الجنات .. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هؤلاء الأئمة لهم فضل .. لولا الله ثم هم ما تكلمنا، وما استطعنا أن نعرف كثيراً من شعائر ديننا، فينبغي للإنسان إذا قرأ كتاباً لعالم يترحَّم عليه ويدعو له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له) ([21]).
تمر عليك المسألة في الأحكام .. ويمرّ عليك حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُشكلٌ لا تدري أهو صحيح أم ضعيف، ثم لا تدري متنه، ما هو المراد منه .. ؟ أهو مطلق أم مقيد .. ؟ عام أم خاص .. ؟ فإذا وقفتَ أمام هذا الكلام الذي يقوله الإمام، أدركتَ حقيقة المراد، وأدركت جليّته، وكنتَ على بينة من هذا النص في كتاب الله أو ذاك النص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تملك إذا اطّلعت على هذا الخير إلا أن تقول: رحمة الله على فلان ... !
وكان بعض مشائخنا –وهو الوالد رحمة الله عليه- إذا نظر في الكتاب وقرأ فيه، كثيراً ما أسمعه يقول: رحمة الله عليه .. رحمة الله عليه .. رحمة الله عليه .. ! كأنه كلما فرغ من مسألة يترحم عليه، فسألته ذات مرة، قلت: يا أبتِ: أنت تكثر من قولك: رحمة الله عليه، قال: ما فرغت من مسألة وأحسست بفضله عليَّ إلا ترحّمتُ عليه، وهذا قليل من حقه عليّ، أي: أقل ما يكون له أن أقول: رحمه الله.
من منا الآن إذا أمسك الكتاب وقرأ لهذا الإمام أو ذلك العالم دعا له بالمغفرة، ودعا له بعلو الدرجة .. ؟ فإنك إن دعوت له بالرحمة سخّر الله لك من ترحم عليك بعد موتك.
هؤلاء أولياء الله .. العلماء العاملون .. أهل السنة الذين هم على منهج الكتاب والسنة، هؤلاء أحباب الله، وهم صفوة الله بعد الأنبياء؛ ولذلك جعل الله فيهم علم الكتاب والسنة، وجعلهم أمناء على الشريعة والملة، فالترحم عليهم والدعاء لهم، خيرٌ كثيرٌ.
المَعْلَمْ الرابع: نشر فضلهم بين الأحياء، والاعتذار لهم في الأخطاء:
إذا قرأت فائدة، أو نقلت عِلماً نبَّه عليه إمام من أئمة السلف، كان من الحق عليك أن تنوِّه بفضله في ذلك، فتقول: كما قرّره شيخ الإسلام فلان، كما بيّنه الحافظ فلان، أو الإمام فلان، ولا توهم الناس أن الفضل –بعد الله- لك وحدك .. لا، وإنما تنصفهم وتذكر مآثرهم، وتبيّن فضلهم، فإن ذِكْرَ دقائق ما توصلوا إليه من الأفهام، وما كشفوه من العلوم والحقائق المبنية على دليل الكتاب والسنة .. ونشرِه بين الناس ونسبته إليهم، يُعرِّف الناس قدرهم، ويجعلهم يدركون فضلهم –خاصة بين طلاب العلم-، ويغارون عليهم من أن ينتقصوا وأن يُهانوا.
ثانياً: الأدب مع الأحياء من العلماء ([22]):
¥