تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي رحمه الله في كتابه الجامع: (جماع الخير كله تقوى الله، وأزين الحلى للعالم: تقوى الله)، أزين ما يتحلى به من تخلق بالعلم: أن تكون تقوى الله قد وقرت في صدره، واستقرت في فؤاده وقلبه، فعندها يكون أعفّ الناس لساناً، وأثبت الناس في طاعة الله ومرضاته، جناناً، تقوى الله عز وجل، التي ما خلت منها موعظة من مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا كلمة من كلماته، فكم وعظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءه الرجل يريد السفر، فقال له يستوصيه: (زوّدك الله التقوى) ([31])، فنعمَ –والله- الزاد، فهي زاد المهاجر إلى الله، وعدة عباد الله في طاعة الله، تكف الجوارح عن حدود الله، وتدعوها إلى المسارعة والمسابقة في طاعة الله.

فطالب العلم الصادق المتقي لله أبعد الناس عن المحارم، وأعفّ الناس عن الحرام، وأنزههم عن الفواحش والآثام، يخاف الله في سمعه، يخاف الله في بصره، يخاف الله في لسانه وفرجه، في جميع حركاته وسكناته.

فما أجمل طالب علم تسربل بسربال التقوى، واستمسك من الدين بالعروة الوثقى، وكان كريم القول والعمل، جميل الخصال والخلال، إذا نظرت إليه ذكّرك الكريم المتعال.

بتقوى الله ييسر الله لك طلب العلم، فما قذف الله نور التقوى في قلب إلا يسر أمره، وشرح صدره، وأحسن عاقبته وأمره.

قبيحٌ على طالب العلم أن يبدأ طلب العلم وفيه خصلة من خصال الجاهلية، وعيب –والله- على طالب العلم أن يطلب العلم ولم يبلّغ نفسه فعل الأمور المرضية، والتي من أجلّها تقوى الله ربّ البرية.

يا طالب العلم .. إنك إن اتقيت الله قَبِل منك: ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) [المائدة:27].

ولما دخل عبد الله بن عمر على أبيه رضي الله عنهما في مرض موته، وقال: يا أبتِ .. ألم تكن تفعل وتفعل، وذكّره بتبشير النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، قال له عمر رضي الله عنهما: يا بُني: إنما يتقبل الله من المتقين.

قال بعض العلماء:

قد آلم القلب أني جاهل مالي

عند الإله أَراضٍ هو أم قالي

وأن ذلك مخبوءٌ إلى يوم

اللقاء ومقفول عليه بأقفالِ

يا طالب العلم .. إنك إن اتقيت الله أحبك الله، ((بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [آل عمران:76].

يا طالب العلم .. إنك إن اتقيت الله كنتَ له ولياً، ((وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19].

يا طالب العلم .. خير خلة تتحلى بها أن ينظر الله إلى قلبك قد عُمّر بتقواه، تخاف الله في قولك، تخاف الله في عملك.

وإذا خرجتَ وأنت تحمل كتابك، ورمقتك الأبصار والأنظار، فاستشعر وأنت تحمل كتاباً من كتب الدين والملة أنك تمثل دين الله وشرع الله، فاتقِ الله واحفظ جوارحك عن كل شيء يشين العلم وأهله.

المَعْلَمْ الثاني: الإخلاص لله:

وهو ثمرة من ثمرات التقوى، إنه سرّ بينك وبين الله، لا يعلمه أحد سوى الله. هذه الوصية التي رفع الله عز وجل بها العلماء، فماتوا وما مات علمهم، وارتحلوا وما ارتحلت فضائلهم ومآثرهم لما علم الله إخلاصهم بقيت كتبهم كأنها كتبت بالأمس القريب، تنفذ وتطبع، وتنفذ وتطبع، بقيت علومهم تغشاهم بها الرحمات آناء الليل وأطراف النهار. إنها العبودية الصادقة لله.

قال بعض أهل العلم –رحمهم الله-: الإخلاص هو الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام لله وحده لا لشيء سواه، فأي طالب علم أخلص لله في طلبه، وكان يرجو الله عز وجل في قوله وعمله، فهو مسلم بحق، وهو طالب علم بصدق، وكم من أقوال قليلة عظمتها النية، وكم من أقوال كثيرة محق الله بركتها وعادت وبالاً على أصحابها لما خرجت لغير الله، وأريد بها غيره، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إخلاص العمل هو الدين لله، الذي لا يقبل الله ديناً سواه. وقال في موضع آخر: وهو خلاصة الدعوة النبوية، وقطب القرآن الذي تدور عليه رحاه، واستشهد بقول الله تبارك وتعالى: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:1 - 3]. ألا لله العبودية والأقوال والأعمال الخالصة لوجهه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير