تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعسى أولئك النائمين في استشراقهم البائس يستيقظون على هذه الأسرار الجليلة للمعجزة القرآنية الكريمة.

نعود للإجازة فقد صارت في العصور المتأخرة أمرًا مشهورًا غير مستنكر، بعدما صارت الرواية في الحقيقة رواية كتب، أشبعها العلماء ضبطًا وتحريرًا وشرحًا، وصارت الإجازة جزءًا من الروايات والأسانيد التي اختصت بها هذه الأمة شرفًا لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وتنازل الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار العلم في المجيز والمجاز، فربما أجازوا ابن سنة، وشبهه، حضورًا، وربما أجازوا إجازات عامة لقومٍ أو لبلد بكل من فيها ممن يعلم ومن لا يعلم!!

وقد حصل هذا معنا في ((ملتقى أهل الحديث)) أبقاه الله عامرًا بالسنة والعلم، على ((الشبكة العنكبوتية)) حيث قرأت في بعض الأيام إجازة جلبها لنا بعض الأعضاء الكرام لجميع أعضاء ((الملتقى))، فيشملني هذا الحكم وأمثالي من صغار القوم، ومحبي العلم، كما يشمل أهل العلم الأفاضل في هذا ((الملتقى))، بل يشمل هذا أيضًا هذا الذي لا صلة له بعلمٍ ولا سنة، ممن ربما يتخفى بين الصفوف من المبتدعة والقبورية، وصار من حق كل أعضاء ((الملتقى)) الرواية بالإجازة العامة لمن كان عضوًا في الملتقى آنذاك.

عمدًا ذكرتُ هذه الصورة لتتضح المسألة في الأزمنة الأخيرة بشأن الإجازة، حيث لم يعد شرطًا فيها أن يكون حاملها عالمًا بل ولا طالب علمٍ، وقد يكون من أهل السنة، وقد يكون من القبورية أو أعداء السنة.

ومع هذا فتسري أحكام الستر، مجرد الستر، على المجاز والمجيز، ويكفي أن لا نسمع عنه خللا يؤثر في روايته، كالوضع أو انتحال المصنفات وغير ذلك.

وبخلاف ذلك فتسري أحكام الستر على الناس، ولا نطلب بأكثر من هذا، فلن نجد ما هو أكثر لدى أكثر الناس، والله المستعان.

ويطيب لي بهذا المقام أن أنبِّه إلى أن مَن ارتمى في حمأة الوضع والكذب بأي شكلٍ كان فقد أظهر لنا عورته، وسقطت أسانيده وإجازاته، حتى لو أجازه أهل الأرض كلهم جميعًا، أو أجازهم هو كلهم!!

فإنما تجري أحكام الستر على المجاز والمجيز، ولا نسأل عن علمهم وحالهم سترًا عليهم، بعد التوسع في الإجازة لكل أحدٍ كما سبق وذكرتُ.

بخلاف مَن تبرَّع من تلقاء نفسه بإظهار عورته بكذبٍ افتراه على النبي صلى الله عليه وسلم، أو كتابٍ وضعَه، أو حديثٍ اختلقَه، ونسَبَه زورًا وبهتانًا لبعض كتب أهل العلم، فمثل هذا يُرْمى به وبإجازته في البحر ولا كرامة له ولا لإجازاته، ولا تصح الرواية بها، لظهور الطعن الواضح فيها بالوضع والاختلاق والكذب.

والحق أنني لم أسمع في عصرنا بمن يُرْمَى به وبإجازاته وكُتُبِه ورسائله التي كتبها أو كُتِبَت له، إلا برجلين: أحدهما مصري اسمه (محمود سعيد ممدوح)، والثاني: إماراتي أجهل من سابقه واسمه عيسى الحميري.

وقد تواطأ هذان الأفَّاكان الساقطان قاتلهما الله على نشر قطعة نُسبت زورًا وبهتانًا لكتابٍ جليل القدر، وإمامٍ كبير، هو عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله، وكتابه ((المصنَّف)) المشهور.

وصدقتْ فيهم نبوءة الإمام ابن المبارك رحمة الله عليه حين سُئل عن الأحاديث الموضوعة؟ فقال: (تعيش لها الجهابذة)، وقول الآخر: (لو أراد رجل أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل لأفتضح في الصباح) أو نحو هذه العبارة.

وقد أقام الله عز وجل من أهل السنة والحديث من تولَّى فضح هؤلاء المقبوحين الكذابين، ففَضحَهم الله عز وجل على يدِ فضيلة الأستاذ محمد بن زياد التكلة، أدام الله توفيقه وأعلى درجته.

وبهذه المناسبة فيطيب لي أن أتقدم لفضيلة الأستاذ الكبير محمد زياد التكلة أدام الله توفيقه بأسمى معاني الإجلال والتقدير على ما تقدَّم به مشكورًا من بحثٍ كاشفٍ فضحَ به هؤلاء الأفاكين، فجزاه الله خير الجزاء، وأكثر الله في أمتنا من أمثاله، وبارك فيه.

ولا أجد في ذاكرتي الآن أحدًا من أهل عصرنا غير هذين الملوثة أنفسهم بالكذب والإعانة على الوضع وترويجه في الناس، قاتلهما الله عز وجل، فلنتركهما ولنَعُدْ إلى ما كنَّا فيه من التنبيه على عدم التلازم في هذه الأعصار بين الإجازة وبين العلم في المجيز والمجاز، وأنها لا تعني شيئًا أكثر من شرف الرواية، والاشتراك في حفظ الإسناد الذي خُصَّتْ به هذه الأمة شرفًا لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير