تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فاتقِ الله في لسانك، ما تغرّب طالب العلم ليتتبع عورات إخوانه، ما تغرّب طالب العلم لكي يشتغل بعيوب إخوانه، ما تغرب لكي يهوي به الشيطان إلى مكان سحيق، إلى رذائل الأفعال ورذائل الأقوال، ينبغي أن يترفع طالب العلم عن هذا، ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله كلمةً عجيبة في كتابه الفوائد، يقول رحمه الله: (أخسر الناس صفقة من اشتغل بنفسه عن الله، وأخسر منه صفقة من اشتغل بالناس عن نفسه) ([48]).

أخسر الناس صفقة من اشتغل بنفسه عن الله، فجعل يعتني بمأكله ومشربه ومنظره، وأهدر ما بينه وبين الله عز وجل، وأخسر منه صفقة من اشتغل بالناس عن نفسه. فاتقِ الله يا طالب العلم، اتقِ الله في إخوانك، فإن الله عز وجل يقول: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)) [النور:15]، لما تنقل الكلمة تقول: فلان من طلاب العلم يقولون فيه كذا وكذا، فقد غلت عنقك بين يدي الله، يَفُكُّكَ صدقك أو يغلّك لسانك.

إن نقل الشائعة تؤدي بك إلى كارثة قد توجب لك اللعنة، إن الله قد لعن من قذف المُحْصَنة، والمُحْصَنة قذفها في العِرض، فكيف تقذف مسلماً في عقيدته؟ كيف تقذف عالماً في عقيدته؟ في منهجه؟ في فكره؟ بمجرد ما تقول: فيه كذا وفيه كذا، هذه شهادة، والله عز وجل يقول: ((سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)) [الزخرف:19]، ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) [ق:18].

عليك نفسك فاشتغل بمعايبها ودع عيوب الناس للناس

والله، لو أن طالب العلم كان صادقاً في معاملته مع الله عز وجل لكانت عيوبه تبكيه، وتشغله عن القول والتكلم في عيوب الناس، وكان العلماء –رحمهم الله- إذا ذكر عندهم أحد بسوء، قرعوا من ذكره وأدّبوه وكهروه، ولربما في الله عز وجل عادوه.

سادسها: ومن حقوق إخوانك عليك أخي في الله، ألا تنقل عنهم ما لا خير فيه، فهذا من النميمة، فإن نقل الكلام إلى العلماء بالطعن والتحريض على طلاب العلم، وإفساد قلوب العلماء على طلابهم نميمة وأي نميمة، إن النميمة بين عوامّ المسلمين توجب عذاب القبر، فكيف بالنميمة بين طلاب العلم، كيف بمن ينمّ الأخبار التي تفسد قلوب علمائهم، وتفسد قلوب مشائخهم عليهم، نسأل الله السلام والعافية. والله ما نقلت حديثاً فكان نميمة بين عبدين من عباد الله، إلا عُذّبْتَ به في قبرك شئتَ أم أبيتَ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله) ([49]).

قاتقِ الله في هذا اللسان، كم من طالب علم يفضي إلى غرفته، أو إلى مجلسه، أو إلى منامه وقد غضب الله عليه بكلمة قالها في آخر، بل إن بعض أهل العلم –رحمهم الله- سمع رجلاً يتكلم في عالم من العلماء، فقال له: والله إني أخشى عليك سوء الخاتمة، وكان هذا الطالب يتتبع عورات العلماء، يقول هذا الرجل الذي ينقل لي القصة: والله لقد رأيت بعيني حالة موته، كانت على سوء والعياذ بالله، وهو من طلاب العلم، ولذلك الغريب أن الله عز وجل قد يمهل العبد، ثم ينتقم بالذنب الواحد ولو بعد سنوات، حتى إن بعض السلف، وهو محمد بن سيرين رحمه الله أصابته ديون في آخر عمره، فقال: إني أعرف الذنب الذي أصبته، وأوجب لي هذا، قلتُ لرجل قبل أربعين سنة: يا مفلس، فابتلاني الله بالدين، قبل أربعين سنة ما تركها الله عز وجل له؛ لأنها في حق مسلم. بعض طلاب العلم يشتكي، يقول: لا أجد الخشوع، أسمع الآيات لا تؤثر في قلبي، وأسمع العظات لا تؤثر في قلبي، وأسمع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا أجد له أثراً، لماذا؟ بسبب هذه الذنوب، فإن اللعنة إذا أصابت صحابها حرمته من رحمة الله والعياذ بالله، وذلك قول الله تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) [محمد:23]، ولذلك استنبط بعض العلماء من هذه الآية أن كل ذنب فيه لعنة، إذا أصيب بها صاحبها لا ينتفع بموعظة، ولا ينتفع بعبرة، يعني لا يعتبر ببصره، ولا يعتبر بسمعه، نسأل الله السلامة والعافية، فاتقِ الله يا طالب العلم، اتقِ الله أن تصيبك لعنة بسبب الكلام في عالم من العلماء، أو في داعية إلى الله،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير