ولا كذلك الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى، فإنصافا للتاريخ، وأداء لأمانة قيضها الله تعالى لنا، لا ننكر أنه كان إماما كبيرا، وبحرا لا ساحل له من المعارف والاطلاع، وقوة علمية ندر من قاربها في عصره ولا في العصور السابقة، علما واطلاعا وقريحة ومعرفة، جعلته غريبا في بلده وبين أهله، وهو إذا ذكر في ذلك فلا يذكر إلا في مصاف أئمة الإسلام الكبار ...
ولا ينكر أحد قوة روحه الدينية، وغيرته الشرعية الجياشة، التي أفقدته جاهه العظيم، وماله ونفوذه من أجل الدفاع عما ترجح له أنه السنة والحق، وهو بالنسبة له ولزمنه الذي انتشر فيه الكفر البواح، والجهل القاتم، شبيه بالحق المطلق، ولا ينكر أحد أنه بالرغم من مجاملته الاستعمار ومسايسته لأمر في نفسه، لم يفتأ أن حمل السلاح، وصعد الجبال من أجل مقاومته، وطرده، وهو أمر لم يقم به إلا النادرون من أهل عصره، حتى تعرض للقتل، والسجن، بل قيل إنه توفي مسموما شهيدا ..
نعم، أقول هذا مع ملاحظاتي الشديدة عليه، والتي يظن بعض الجهلة أنني أنتقصه بها، ولكن هذا الإمام مكانته لا تزول، فقد كتب ونشر وألف، ما يقرب من الثلاثمائة مؤلف، ودرس وناظر، وجاهد، وسايس، وهاجر في سبيل الله ورحل، وكتب في الأصول والفروع ....
فهو - رحمه الله - قوة علمية، وعارضة معرفية تفتخر بها أمتنا - على كثرة ما يمكن أن نلاحظ عليه - على الأمم كلها، لا يشك في ذلك ولا يرده إلا من سفه الحق وأنكره ...
وهذا الكلام الذي أقوله حول الغماري لا أجامل به أحدا، فقد كتبته في مؤلفاتي وتحقيقاتي منذ سنين وإلى الآن، وهو الحق الذي أعتقده، والغرز الذي ألتزمه، ويشهد الله أن في لبي للرجل وإخوانه وذريتهم محبة خاصة قد يظهر زوالها عند الغضب، ولكن اليقين أنها بإذنه تعالى لن تزول ولن تنقص، وإن كنت أمام أولئك الفحول أقل من ذبابة، ولكن من سخر له القلم طاول العمالقة وإن كان قزما ...
والحق الذي يتجلى، أنه لا يمكن تفضيل زاهد الكوثري على الغماري بحال، ربما من حيث إتقان القواعد العلمية، وتطبيقها، قد يفضل الكوثري عليه إن لم يجزم بذلك الجازم، ولكن من حيث مجموع الصفات، ومن حيث مطابقة الحالين، فلا مقارنة بين الشخصين، ولا سبيل لتفضيل الكوثري على الغماري، فالغماري - رحمه الله تعالى - أكثر نشاطا، وأكثر تأليفا ومادة، وأبحر علما، وأكثر تلميذا ...
وعلى كل؛ فمكانة الجميع - مع كثرة ما يمكن أن ينتقد عليهما - لا تتزعزع، وإحاطتهما بعلوم الآلة أمر لا يشك فيه عاقل، وقد شهد بذلك الخصم قبل المواخي، وما أضر الطرفين إلا تلامذة السوء وأعداء السوء، فمن متعصب لباطل أفسد به علوم شيخه، ومن متعصب على الشيخ نسي بتعصبه مزاياه وفضائله، ولا يجلس في البرزخ إلا الرجال ...
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} ..
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[20 - 04 - 06, 03:27 م]ـ
آمين ... آمين ... آمين.
وفقك الله.
لو سألتك أخي حمزة - رعاك الله - فيم تخالف الرجلين ... وما ملاحظاتك عليهما ... وما هو الكثير الذي تنقده منهما ... فما جوابك المفصل حفظك الله.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[20 - 04 - 06, 03:54 م]ـ
ومن قال يا أخي إنه من أهل الحديث، نحن نتباحث في أمور علمية وتاريخية بحتة، ونزلنا عند طلب شيوخ أفاضل أرادوا القصيدة، ومن كتم علما طوق به يوم القيامة، وأنا لا أحب أن أكون ممن يكتم العلم ... خاصة وأنه طلبها مني من لا يسعني رد طلبه، وهو الشيخ الأنصاري حفظه الله ...
وفقك الله.
أمور علمية وتاريخية بحتة ... ثم من كتم علما ... كيف يتفقان رعاك الله؟
ـ[أبو الحسن المدني]ــــــــ[20 - 04 - 06, 05:23 م]ـ
الحمد لله
هذا هو الإنصاف
فقد رأيت جماعة متعصبين زعموا أن الكوثري لا إمام ولا يفتخر به!!! هذا مع ادعائهم عدم التعصب!!!
ولو رأوا ما كتبه سيدي الكتاني من الإنصاف فهو إمام نظار لا يبارى وبحر لا يجارى!!
وإلى الأخ الفهم الصحيح أنا أتكلم من جانب العلم والتاريخ, وأما أن تقصر فهمك على أخطاء الكوثري والغماري فهكذا لن يسلم لنا شيء من علماء الأمة الإسلامية.
وكن على أقل تقدير مثل الشيخ الألباني حين أنصف وشهد للكوثري بأنه محدث.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[20 - 04 - 06, 05:48 م]ـ
وهل تسمي ما وقع فيه الغماري والكوثري - رحمهما الله - مجرد أخطاء ... ؟
ثم لا تفتأ - رعاك الله - تكرر أنك تبحث من جانب العلم والتاريخ ... وتجلب علينا شهادة ناصر الملة والدين - رحمه الله رحمة واسعة - للكوثري بالمعرفة بعلم الحديث ... فهل في نظرك أن مجرد حفظ المسائل ... أو المعرفة بأحوال الرواة أو حتى المقدرة على الكلام على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ... هو حدّ العلم الذي يمتدح به الرجل عندك ... فقط هكذا تنظر إلى الناس رعاك الله وتقيمهم ... أين التحقق بالعلم ... وأين التجرد في معرفته دون تقليد أو تعصب مقيت ... وأين العمل بمقتضاه ... وأين الصدق في حكايته وتقريره ... وأين احترام أهله ... وأين صيانته ... وأين الدعوة إليه ... وأين ... وأين ... تكتفي - هداك الله - فقط بكثرة الحفظ والاطلاع ... وكثرة تسويد الصحائف ... أو كثرة الأتباع ... هذا ليس مقياس أهل العلم وطلبته ... إذن فعليك بطلب العلم عند الكفرة اللئام ... فقد رأيت بعضهم يفوق جماعة من المسلمين ممن انتسبوا للعلم في حفظ المسائل وتحليلها ... وقوة الغوص في تبين دلالاتها ... مع مقدرة فائقة على استيعاب تواريخ العلوم ... ومعرفة مسيرتها نفاقا وكسادا ... وملوا من أدواته وأصوله الشئ الكثير ... إلى غير مما يقيم به المرء من حيث انتسابه للعلم المجرد.
¥