تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمطّلع على أحوال الهند يعرف جيداً أن قضية الحفاظ على الشرائع الإسلامية لم تقلَّ أهميّة في الهند المستقلّة، بل ربما أخذت أهميّة متزايدةً من أجل المآسي التي شهدها الشعب المسلم ولا يزال يشهدها في هذا الخصوص بشكل لم يكن ليتصوّره في الهند المستعبدة التي كان هو في مقدمة المضحين بالنفس والنفيس في سبيل تحريرها، وذاق في هذا السبيل ويلات لم يذقها بالتأكيد أي من طوائف البلاد.

ونحمد الله عز و جلّ أن الجامعة ظلّت بقيادة الشيخ محمد طيب الحكيمة ملاذاً للشعب المسلم الهنديّ بالنسبة لكّل محاولةٍ رامية لدينه وعقيدته، و قامت بالجهد المشكور في تحطيم المحاولة في مهدها أو ظلّت تلاحقها لآخر مرحلة.

في الثمانينات من القرن الميلاديّ الحاليّ، ولا سيما عام 1392هـ / 1972م قامت محاولات للتدخّل في قانون الأحوال الشخصيّة لمسلمي الهند بشدةٍ غير عادية، وقيل: إن الشرائع الإسلامية عادت لا تفي بمطالب العصر.

فأمر رئيس الجامعة اليشخ محمد طيب بتكوين لجنة من كبار أساتذة الجامعة لتقوم بتفنيد شبهات المشككين والمعترضين. ثم عَقَدَ رحمه الله في رحاب الجامعة يوم 26/ صفر 1392هـ الموافق 14/ مارس 1972م اجتماعاً دعا إليه كبارَ علماء ديوبند و آخرين من العلماء والمفكرين والمثقفين المسلمين؛ حتى يتّخذوا موقفًا موحّدًا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين والدفاع عنها. و تدارس المجتمعون جميعَ نواحي القضيّة، وأعدّوا مذكرة تتضمن أسئلة وُجِّهَتْ للعلماء و رجال الإفتاء لشتى مدارس الفكر الإسلامية في الهند، وطُلِبَ إليهم أن يوافوا الجامعة بأجوبتهم في أواخر يوليو 1972م الموافق أوائل رجب 1392هـ.

كما اتفق المجتمعون على عقد مؤتمر موسّع لعموم الهند حول الموضوع. واتّخذ رئيس الجامعة لهذا الاجتماع الموسّع لجاناً عديدةً تتضمّن رجالَ القانون ورجالَ الدعوة والفكر إلى رجال العلم والإفتاء.

واللجنة المحليّة في هذا الشأن عقدتْ اجتماعها في الجامعة يوم 2/ جمادى الأخرى 1392هـ / الموافق 16/ يونيو 1972م، وقرّر أن يُعْقَدَ اجتماع كبير في الجامعة في 5 - 6 رجب 1392هـ الموافق 17 - 18 يوليو 1972م لدارسة أجوبة العلماء حول الأسئلة المشار إليها.

وحسب المقرر عُقِدَ المؤتمر الموسّع لعموم الهند في مدينة بومباي في 20 - 21 ذو القعدة 1392هـ الموافق 28 - 29 نوفمبر 1972م. ونظراً لأهمية الموضوع ارتأى العلماء أن تكون الدعوة مُوَجَّهَةً من قبل رؤساء وقادة شتى المنظّمات الإسلامية المعروفة. وكان كذلك؛ فقد اجتهدت جميع المنظمات والجمعيّات الإسلامية في عقد المؤتمر، وقد تكلّل بالنجاح من جميع الاعتبارات بشكل غير عاديّ. وبإجماع ممثلي جميع المنظّمات المُساهِمَةِ في الدعوة لعقد هذا المؤتمر بما فيها أهل السنّة والشيعة والديوبنديّة والبريلويّة وأهل الحديث والجماعة الإسلامية وكل من الطّوائف التي تنتمي إلى الإسلام ويعتبرها الدستور الهندي مسلمةً، أسْنِدَتْ رئاسةُ المؤتمر إلى سماحة الشيخ محمد طيب رحمه الله تعالى.

ومن على منبر هذا المؤتمر التأريخي المشهود أعلن الشعب المسلم بجميع طوائفه و مذاهبه أنه لن يتحمّلَ أيَّ تدخّل للتغيير في أحواله الشخصية. وتمخّض المؤتمر عن قيام هيئة للأحوال الشخصية لعموم الهند تُمَثَّل جميع المذاهب والمدارس الفكرية للمسلمين؛ وأجمع المؤتمرون على انتخاب الشيخ محمد طيّب رئيسا للهيئة، والشيخ منت الله الرحماني أمير الشريعة لولايتَي بيهار و أريسه سابقاً (المتوفى 1411هـ / 1991م) أميناً عاماً للهيئة. وقد ظلاّ يتولّيان مسؤوليتهما نحو الهيئة لآخر لحظة من حياتهما.

وبشهادة التأريخ يُسَجّلُ أن الهند المستقلّة لم تشهد منبراً موحّدًا للدفاع عن الشريعة الإسلامية خصوصًا، وقضايا الإسلام والمسلمين عموماً، أقوى من منبر هيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند.

بما أنّه رحمه الله تعالي كان يجمع بين المؤهّلات والاهتمامات الكثيرة، وبين العلوّ في النسب الدينيّ والنسب الطينيّ، وبين الوجاهة، والجمال الرجاليّ، والوقار العلمي، واللسان العذب.

وبما أنّ الجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند مهوى أفئدة الشعب المسلم في شبه القارة الهنديّة وأكبر وأقدم جامعة خاصة بالمسلمين في هذه الديار، إليها يفزعون في كل ما يحزبهم من مشكلة دينية، ومنها يستنيرون في كلّ ظلام قاتم، وبها يلوذون في كل ما يمسّ الدين والعقيدة في هذه البلاد.

وقد أتيح له رحمه الله تعالى أن يخدم مثل هذه الجامعة عبر هذه المدة المديدة، التي تقارب ستّين عاماً؛ فأكسبه ذلك من الشعبيّة والإعجاب والتقدير ما لم أعرفه في حياتي أنا لأحد من علماء الدين ورجال الأوساط الإسلاميه الذين عايشتُهم، إلا القلائل الذين عرفوا بإخلاصهم وربّانيتهم وتعمقهم في الكتاب والسنّة مثل العلامة المحدّث الشيخ زكريا بن يحيى الكاندهلوي الذي وافته المنية في المدينة المنورة في 1/ شعبان 1402هـ / 27/أبريل 1982م.

فمن أجل ذلك كلّه انساقت إليه مناصب متنوعة ولاسيّما منصب الرئاسة والإشراف العامّ على عدد من المؤسسات والهيئات الإسلامية التي تضمّ مختلف القطاعات الدينية والمذاهب الفكرية والجماعات والمنظمات الإسلامية.

في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة تماماً من 6/ شوال 1403هـ الموافق 17/ يوليو 1983م: يوم الأحد، استأثرت به رحمة الله تعالى.

منقول من موقع دار العلوم ديوبند

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير