تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعكس هؤلاء في الحرص على العبودية والنفرة عنها من يجرد العبادات منها وهي روحها ولبها وقد كان المنافقون يصلون ويغزون وينفقون بشهادة الله تعالى في كتابه، ولكنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون، وإذا خرجوا في المسلمين أوضعوا خلالهم يبغونهم الفتنة وكانوا سماعين لأعدائهم عليهم، ويلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ويسخرون منهم، وغير ذلك مما حكى الله تعالى عنهم.

فليس الجهاد في سبيل الله ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء أكانا باليد أم باللسان أم بالقلب، على الطريقة والصفة التي تشتهيها النفوس وتهواها، أو تدل عليها الظنون والتخرصات على الله وعلى دينه وكتابه ورسوله.

بل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير من أعظم حقوق الله تعالى على عباده ولا سيما هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ولكن تجعل هذه الأسماء الجليلة على المسميات والصفات والكيفيات التي بينها الله تعالى للناس في كتابه أجل بيان وبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أحسن بلاغ وأبينه.

وكم والله شمت أهل الكفر بسوء ما يجنيه مدَّعو الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير الذين يفعلون ويقولون ما لم يأذن به الله ولا برهان لهم به من الله ثم يقولون هو من عند الله ولا والله ما هو من عند الله.

وهكذا خلاصة أهل الإسلام: أهل سنة نبي الله عليه الصلاة والسلام الملازمين لأمر الجماعة التي اجتمعت على اتباعه ونصرته وتعزيره مذ بعثه الله وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين نص الله عليهم في كتابه العزيز ومن اتبعهم بإحسان.

فإن هذه الطائفة المنصورة المقتفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولجماعته الذين معه وأتباعهم بإحسان ينتحلها من غير أهلها كما ينتحل الإيمان من غير أهله من ينتحله، وما الله يغافل عما يعملون، ولتعرفنهم في لحن القول، والله يعلم أعمالكم.

وبالبلاء والفتن والمحن المثيرة للنفوس المستخرجة لكوامنها بالغضب أو بالشهوة بدنية أو نفسية يمحص الله المؤمنين من المنافقين الكافرين، وأهل السنة الخالصين المنصورين، من غثاء السيل المهزومين المأكولين من عدوهم وهم يرون أنفسهم آكلين، وعدوهم يمكر بهم المكر الكُبَّار الليل والنهار وهم في قيل وقال وكثرة سؤال، وإضاعة العمر الذي هو أشد وأقبح عاقبة من إضاعة المال، ومنهم تؤتى السنة، كما من المنافقين يؤتى الإسلام.

وقد ابتلي أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين أبوالحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين بالفريقين: المارقة الجافين، والمبتدعة الغالين، فعاقب كلاً، وكان صنيعه فيهم من أحمد ما صنع في خلافته، قاتل الأولين ولم يكفرهم، وكفر الآخرين وقاتلهم.

ووبخ وناظر وجادل من قصر في الغلو والجفاء من الطائفتين وكان أقرب إلى الأمة الوسط أهل الجماعة أتباع سنة سيد المرسلين وخلفائه الراشدين.

وبعد ...

فأكرر تهنئتك أخي العاصمي علانية مقابل تلك العلانية على فتح باب النصيحة الحازمة الحيكمة المعتدلة فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ..

وأسأل الله تعالى متوسلاً إليه بتوفيقه هو سبحانه لكاتب الموضوع أن يعتذر ويتلطف أن يتم عليه نعمته ويعرفه منته عليه فيها برحمته ليشكره، وينكسر بين يديه فيرفعه، ويتواضع لعظمته ليعزه، ويقبل ذكره والتذكير بأمره ليذكره ..

فوالله الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأكرم وجهه الشريف بنور النبوة لحصول ذلك لإخوتي في الإسلام لله رب العالمين أحب إلي من مفروح به، بل مجرد حبي لهم ذلك فإنني أرجو أن يكون ذلك سبباً في تصحيح إيماني وتكميله، إذ قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .. ، وكيف لا أحب الرفق وأكره العنف، والذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم يخبر عمن اختاره لرسالته سبحانه أنه يحب الرفق في الأمر كله، فعمَّ وأطلق، ثم أخبر أنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، ومن هذا المحروم الذي يزهد في عطاء الله وكل ما في السماوات والأرض وما يكون هو من عطائه يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير